Din Wa Wahy Wa Islam
الدين والوحي والإسلام
Genres
naturel et surnaturel . والواقع: أن الذي يحقق ماهية الدين هو التمييز بين حالتين أو عالمين مختلفين اختلافا ذاتيا، أو هو بعبارة أدق: الإيمان بنوع من الموجودات أسمى من سائر الأنواع، ولعل هذا هو رأي «إكيين»
Euchen
إذ يقول: «إن الذي هو مقوم للدين وضروري له في جميع صوره هو أن يجعل في مقابلة العالم الذي يحف بنا موجودا آخر أو نوعا جديدا أرقى من سائر الأشياء، وأن يصنف الكون أصنافا من ممالك مختلفة وعوالم متباينة.» وقد يتحقق دين من غير إيمان بالله كما يشهد بذلك دين البوذية القديم الصحيح، أما من غير إثنينية في العالم ولا استشراف إلى نوع من الموجودات مختلف فلا يكون لفظ «الدين» إلا هراء من القول.»
وجملة القول أن الأستاذ «لالاند» يميز الدين بكونه يجعل في العالم إثنينية ويرتب العالم مراتب، فتعريفه للدين أعم من تعريفي «برونتيير» و«دوركايم».
ولعل الأستاذ «لالاند» لا يريد أن يقول: إن معنى الطبيعي والخارق للطبيعة هو معنى المقدس وغير المقدس؛ فقد شرح دوركايم الفرق بينهما بما لا يحتمل لبسا، بل قد يكون غرضه أن المذهبين متحدان في اعتبار الدين قائما على التفرقة بين أنواع الموجودات التي يشملها الكون لا على وحدتها وتشاكلها.
وقد حذف الأستاذ «لالاند» من تعريف الدين قيد الجمع بين طائفة من الناس، وهو القيد الذي زاده «دوركايم» ليخرج السحر، ويظهر من ذلك أنه ليس بحتم عند «لالاند» أن تكون الأمور الدينية شأنا من شئون الجماعة.
لكن يبقى أن الدين يكون حينئذ شاملا للسحر. وليس كل العلماء على رأي دوركايم في التفرقة بين الدين والسحر؛ فإن الأمم الساذجة قد يختلط دينها بسحرها، وقد يكون السحرة فيها هم الزعماء الدينيين. أما العداوة بين السحر والدين التي ذكرها «دوركايم» فلا تنشأ في الأمم حتى تجاوز دور السذاجة؛ على أن جعل الدين شأنا من شئون الجماعة الذي حسبه مخرجا للسحر ليس في الحقيقة مميزا للدين عن السحر؛ فإن السحر أيضا متصل بالجماعة وقائم على عقائدها، كما تدل عليه أبحاث العلماء في أمر السحر عند الشعوب الأسترالية. وفي ذلك يقول الأستاذان هوبير وموس: «إن الساحر الأسترالي هو عند نفسه - كما هو عند غيره - إنسان تصوره الجماعة وتسوقه إلى أداء ما صورته له.»
5
وتعريف الدين الذي اختاره الأستاذ «لالاند» هو أيضا يمكن أن يكون محلا للمناقشة؛ فإن اعتبار الموجودات كلها ليست من نوع واحد ولا في مرتبة واحدة، لا يخرج بعض مذاهب الفلسفة ولا بعض العلوم التي قد تعترف بأن في الكون أنواعا هي أسمى من أنواع في طبيعتها من غير أن يجعلها ذلك دينا، اللهم إلا إذا لوحظ في هذا التعريف معنى الإيمان لا الإدراك العلمي، فحينئذ يسلم من الاعتراض ويصبح أرجح تعريفات الدين كما هو أحدثها فيما نعلم. (5) حيرة العلماء في تعريف الدين ودلالاتها
على أن هذه الحيرة - حيرة العلماء في تحديد عناصر الدين - وهذا الخلاف بينهم على وضع تعريف يعرب عن حقيقته، كل أولئك يدل على أن العلم لم يكشف الحجب عن الدين وأسراره.
Unknown page