Muʿjam al-maʿālim al-jughrāfiyya fī al-sīra al-nabawiyya
معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية
Publisher
دار مكة للنشر والتوزيع
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٠٢ هـ - ١٩٨٢ م
Publisher Location
مكة المكرمة
Genres
لَمْ تَكُنْ الْكُوفَةُ مَعْرُوفَةً بِهَذَا الِاسْمِ قَبْلَ تَعْمِيرِهَا، وَلَيْسَ فِي مَوْقِعِهَا مَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ مُسْتَوْطَنًا مِنْ الْمُسْتَوْطَنَاتِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ الْعِرَاقِيَّةِ الْقَدِيمَةِ. «وَلَمْ نَعْثُرْ فِي حَفَائِرِهَا أَوْ فِي أَرْضِهَا عَلَى آثَارٍ أَوْ أَبْنِيَةٍ تَعُودُ إلَى عُصُورِ مَا قَبْلَ التَّارِيخِ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ مَوْضِعُهَا جُزْءًا سَهْلِيًّا مِنْ الضَّفَّةِ الْيُمْنَى لِلْفُرَاتِ الْأَوْسَطِ وَإِلَى الْجِهَةِ الشَّمَالِيَّةِ الشَّرْقِيَّةِ مِنْ مَدِينَةِ الْحِيرَةِ، وَيُدْعَى سُورَسْتَانَ».
إلَى أَنْ يَقُولَ:
وَبِتَأْسِيسِ مَدِينَةِ بَغْدَادَ سَنَةَ ١٤٥ هـ، أَخَذَتْ الْكُوفَةُ تَفْقِدُ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ كَثِيرًا مِنْ رَصِيدِهَا الْعِلْمِيِّ، وَتَحَوَّلَتْ إلَى قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ تَسْكُنُهَا الْأَشْبَاحُ وَالذِّكْرَيَاتُ، وَتُطَوِّقُهَا الْخَرَائِبُ وَالْآكَامُ، وَتَعْصِفُ بِهَا رِيَاحُ الزَّمَنِ الْعَاتِيَةُ، إلَّا مَسْجِدَهَا الْكَبِيرَ الَّذِي ظَلَّ صَامِدًا يُقَارِعُ الْعَادِيَاتِ لِيَبْعَثَهَا مِنْ جَدِيدٍ.
لَقَدْ ظَلَّ مَسْجِدُهَا الْكَبِيرُ، شَاهِدًا عَلَى عُنْفُوَانِهَا وَعَظَمَتِهَا، وَصَارَ لَهَا رَصِيدًا رُوحِيًّا، وَرَمْزًا لِلتَّضْحِيَةِ وَالِاسْتِشْهَادِ، وَاصْطَبَغَ أَدِيَمُهَا بِدِمَاءِ الشُّهَدَاءِ. فَفِي مَسْجِدِهَا اُغْتِيلَ الْإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَفِي أَرْضِ الطَّفِّ الْقَرِيبَةِ اُسْتُشْهِدَ الْإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَهْلُ بَيْتِهِ فِي وَاقِعَةِ كَرْبَلَاءَ الْمُرَوِّعَةِ، وَفِيهَا قُتِلَ وَسُحِلَ وَصُلِبَ حَفِيدُهُ الْإِمَامُ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، هَذَا فَضْلًا عَنْ عَشَرَاتِ الشُّهَدَاءِ الطَّالِبِيِّينَ وَغَيْرِ الطَّالِبِيِّينَ.
وَقَدْ أَنْجَبَتْ الْكُوفَةُ عَدَدًا كَبِيرًا مِنْ عَبَاقِرَةِ الْعِلْمِ وَالشِّعْرِ وَاللُّغَةِ وَالْأَدَبِ. . فَقَدْ أَنْجَبَتْ «أَبَا الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيّ، وَجَابِرَ بْنَ حَيَّانَ، وَالْأَصْمَعِيَّ، وَالْكِسَائِيَّ، وَالْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ النُّعْمَانَ، وَالْفَيْلَسُوفَ الْكِنْدِيَّ».
1 / 268