في بهو ستي هذا نلت أول صفعة على وجهي في حياتي، ما دريت يوم نلتها السبب الذي انهالت على وجهي من أجله، ولكنني عرفته فيما بعد مرويا لي، وأشهد أنني كنت مظلوما.
لقد حدث أن سقطت ستي على رجلها، وأذكر أن أبي استدعى الدكتور فرنجلوس من الزقازيق، وأذكر أن اليأس والحسرة والحزن كانوا مرتسمين على وجه أبي بصورة غاية في الألم. وأنا أذكر أنني لم أكن أعرف الموت، ولا ما يحمله من معان، وإذا شئت أن أصور اليوم، وما كان يدور أمامي فما هو بالنسبة إلي إلا شخوص تتحرك أنظر إلى تحركها، ولا أعي معاني الأفعال التي يقومون بها.
وماتت جدتي .
ولا أدري لماذا ذهبت أنا إلى البهو التي كانت جالسة فيه، ولم أحفل مطلقا بالسرادق الضخم المقام بالخارج، ولا بكل ما يحدث في هذا السرادق، ولا بالجموع التي تفد إليه أو تخرج منه، إنما وجدت نفسي واقفا في البهو لا أصنع شيئا، وفجأة قدم إلي عمي الشقيق عبد الله فكري أباظة الذي أصبح فيما بعد يحمل رتبة البكوية، والذي عمل لفترة طويلة وكيلا لوزارة التجارة، وكان هذا الرجل شديد العنف في مظهره شديد الطيبة في حقيقته. وربما كان يرتدي العنف قناعا يخفي به عن الناس مدى حبه للناس ومدى رهافة مشاعره ورقة فؤاده.
في هذا اليوم صفعني عمي عبد الله فكري صفعة شديدة غاية الشدة، وبكيت وذهبت إلى أمي، وأنا أبكي، وأبلغتها بهذه الصفعة، والعجيب أنها قالت في ثبات وفي غير اهتمام: «وماله، وما الغرابة أن يصفعك عمك؟»
ولا أذكر هذه الجملة إلا وأدهش لها، إنها حتى لم تهتم أن تسأل عن سبب الصفعة الذي عرفته هي فيما بعد، وعرفته أنا بعد ذلك بسنوات.
لقد سألني عمي: «أين أبوك؟»
فقلت دون أي تفكير: «في الزينة.»
وكنت في هذه السن أنطق الزاي وكأنها الجيم التي ينطقها الأوروبيون إذا نطقوا اسم جون، فصفعني.
أليس لي الحق أن أرى نفسي مظلوما؟
Unknown page