الناظم
المقدمة
تحية الراية
ليالي مصر
غدر الحبيب
صريع الكأس
ليلة في المسرح
شهيدة الحب
الحنين إلى الوطن
العلم والمال
الغراب والثعلب
زيارة الحبيب
محاورة عاشقين
الجمال
الهوى العذري
الإحسان
عمر بن الخطاب والعجوز
نهر البردوني
عاقبة الغرور
السيارة
الطائرة
الراديو
ذكرى الشباب
تذكار الصبا
عالم الروح
بين الجسد والروح
مناجاة الروح
في الحكم
الوفاق بين الموتى
تجارب الحياة
فلسطين
الناظم
المقدمة
تحية الراية
ليالي مصر
غدر الحبيب
صريع الكأس
ليلة في المسرح
شهيدة الحب
الحنين إلى الوطن
العلم والمال
الغراب والثعلب
زيارة الحبيب
محاورة عاشقين
الجمال
الهوى العذري
الإحسان
عمر بن الخطاب والعجوز
نهر البردوني
عاقبة الغرور
السيارة
الطائرة
الراديو
ذكرى الشباب
تذكار الصبا
عالم الروح
بين الجسد والروح
مناجاة الروح
في الحكم
الوفاق بين الموتى
تجارب الحياة
فلسطين
ذكريات
ذكريات
تأليف
إبراهيم زيدان
الناظم
لقد كان كالليل شعري فلما
مضى الليل أشرق صبح المشيب
كذلك يتلو المساء صباح
ويحلو سنا البدر بعد المغيب
لبدء الحياة ختام ولا بد
للشمس إن بزغت أن تغيب
المقدمة
ذكريات الماضي أشهى الذكريات، يستعرض فيها المرء مراحل حياته، وهو كأنه يعيش في كل مرحلة منها بين من تخيلهم من أترابه، ومن عاشرهم من لداته وأصحابه، فتتمثل له رياض طالما تمشى بين أشجارها، وقطف من ثمارها، وتنشق أريج أزهارها، وقد فاح عبيرها، وزهت ألوانها، فأفسحت للشباب جوا يسرح فيه خياله، فيستلهم من عالم الوحي ما تجود به القريحة، فيسطره خشية أن تمحوه يد الكهولة، فيفقد أعز ما ارتسم في خاطره من ذكريات الصبا. حتى إذا طوى صفحات الشباب، وذكر ما احتوته سطورها، خفق قلبه، واختلجت جوارحه كما يختلج جناح الطائر، حركته نسائم الفجر، وهذا ما دعاني لنشر هذه الذكريات.
وقد أضفت إليها بعض قصائد نظمتها أخيرا في شتى المناسبات.
إبراهيم زيدان
تحية الراية
يا راية لولاك ما رهب العدا
روحي الفداء لو انها ترضى الفدا
خضراء كالوادي الخصيب يزينها
نور الهلال بدا كسيف جردا
وعلى جوانبه النجوم كأنها
حرس عليه إذا أحاط به العدا
قال في صباه:
رعى الله أيام الصبا ما ألذها
وألطف ذكراها على مسمع الصب
تقضت وأغصان الحياة جنية
فما كان لي منها سوى ثمر الحب
ثمار لعمري لم يذقها أخو الهوى
على البعد إلا هام شوقا إلى القرب
هو الحب لا لفظ يقال وإنما
عواطف يهديها العفاف إلى القلب
وينقل معناها إلى صحف الهوى
لحاظ تعودن الكتابة بالهدب
فمن لم يذق طعم الغرام وما عسى
يلاقيه أهل العشق من ألم الكرب
وراجع ما قد خط في صفحاته
إذن لبكى العشاق بالمدمع الصب
وقال:
زرتها والفؤاد بالحب طافح
فأفاضت مني الدموع الفواضح
ظبية بين لحظها وفؤادي
كم محب غدا لعمري يكافح
وهو كالغصن بين بيض الصفائح
حيثما ينثني يصادف جارح
ليس بدعا فلحظها ذو نبال
وفؤادي مدرع بالجوارح
ليالي مصر
أما وليالي البدر في الخمس والعشر
تميس بها الغادات خصرا إلى خصر
وعفة بثن
1
إذ تناجي جميلها
برائق لفظ دونه رقة الخمر
وليل سرى العشاق في ظلماته
وقد ثملوا من عذب مبسمها الدري
وصولة نابليون في حومة الوغى
وحكمة لقمان وأيدي ذوي البر
ومثوى كرام أينعت في ظلالهم
ثمار الندى إن الليالي في مصر
لأزهى من الزهر
2
المنيرة إنما
بما فوق تلك القبعات من الزهر
أزاهر تحكي وهي بين غصونها
خدود ظباء لحن في الحلل الخضر
أجلت بهن الطرف ليلا فخلتني
وأستغفر الرحمن في ليلة القدر
ليال حوت من كل غاد لغادة
هي الشمس لولا هالة من دجى الشعر
إذا ما أرتنا السحر من لحظاتها
سقتنا حميا الحب من ذلك السحر
وإن هي مالت فالقلوب لحسنها
تميل وإن لامت فما لك من عذر
ومن كل حسناء انثنت لحبيبها
فكانت وإياه كحرفين في سطر
وكانت وكانت ما لنا ولعذلها
فما هي إلا لعبة في يد الفقر
تناجي فتاها لا لميل وإنما
لمال به تنجو الفتاة من العسر
وتنظم من آي الغرام بقدر ما
ستنثر كفاه من البيض والصفر
وتبسم حتى لا ترى غير باسم
وتبكي ولكن دمعها في الحشا يجري
لقد لامك الفتيان جهرا وحبذا
هو اللوم لولا ميلهم لك في السر
فهم أفسدوا بالمال قلبك إذ غدوا
وقد عوضوا منك الفؤاد ولم تدري
ولم يكتفوا حتى انثنوا وطلابهم
لعمر الهوى ما ليس يجمل بالحر
فكنت لهم طوع البنان ومن يذق
من الدهر كاس الفقر يخش ردى الدهر
على أنهم لو أنصفوا أجزلوا لك ال
عطاء ولا دين عليك سوى الشكر
وسروا بأن زانوا ببيض أكفهم
بياض التقى لا سودوا جبهة الطهر
وكنت وكانوا في ائتلاف يزينه
عفاف كثغر زانه ما على الثغر
ورحت إذا ما لحت يوما لعاشق
صفا وده ناداك يا ربة الخدر
ولو أن لقيا القبر دون لقا ثرى
حماك انثنى شوقا إلى ذلك القبر
فحسبك بل حسب المحبين أنهم
إذا عشقوا ماتوا أسى في الهوى العذري
غدر الحبيب
حادثة واقعية
غدرت فغادرت الفؤاد عليلا
هيفاء أبدت لحظها المسلولا
ورمت شباك لحاظها فإذا بها
صادت فتى دنف الفؤاد نحيلا
يحكي شمائلها برقة قلبه
وبلطفه يحكي النسيم عليلا
ما ضل بين دجى غدائر شعرها
حتى رأى بسنا العيون دليلا
فأتى إليها زائرا متسترا
بذويه يخشى في الغرام عذولا •••
حتى إذا حان الرحيل وصافحت
تلك الفتاة محبها المجهولا
شعرت بضم أنامل ما ضمنت
غير الغرام وحسبها تعليلا
فدرت بما في قلبه وهوت بيس
راها عليه وقد حكت إكليلا
قالت حبيبي قد أثرت بمهجتي
نارا وهاك يدي تميل ذبولا
فاخمد لظاها من فؤادي قال لو
أخمدتها بدمي لكان قليلا •••
وغدا يبت لها الغرام بعيد ما
ضاق المقام به وخاف القيلا
برواية وردت لها منه وقد
كانت بها جمل الغرام ذيولا
ورأى زيارتها وقد عبس الدجى
إذ خال في بدر السماء أفولا
وكأن ذاك البدر ولى مذ بدت
شمس الحبيبة خاشعا مخذولا
هذا وقد نثر الدموع كواكبا
تذري بدمع السحب فاض سيولا •••
حتى إذا اجتمعا وساء لها الذي
تهواه كان جوابها التقبيلا
ولكم وددت بأن أراني سائلا
يوما وألقى ذلك المسئولا
أو أن تكون طبيبتي في علة
أغدو بها طول الحياة عليلا
أو أن أبارزها فتلقيني بنب
ل لحاظها فوق التراب قتيلا •••
ووشى الوشاة بسر ذياك الهوى
لكنهم لم يصدقوا التفصيلا
قالوا رأيناه وإياها على
درجات سلمها يهاب دخولا
حتى إذا بلغت مسامع أهله
تلك الوشاية أكثروا التأويلا
وتبدلت تلك المودة بينهم
بالحقد إن المرء كان عجولا •••
ورأى المحب أهيله في عذله
لجوا وما عذروا فرام رحيلا
هذا وجاذب قلبه يقتاده
حينا فيدفعه الإباء ذليلا •••
ودرت حبيبته فهاج كلومها
هجر رأته للشقاء سبيلا
لكنها كتبت كتابا للحبي
ب وأودعته من الغرام فصولا
فرأى بذياك الكتاب حبيبها
ما رق ألفاظا وراق أصولا
وغدا إليها في الغداة وقلبه
أمسى بقيد غرامها مغلولا
وإذا بها تبكي فقال حبيبتي
رفقا فطرفك لا يزال كليلا
قالت وكيف يطيب لي بعد النوى
عيش ولم ألقى سواك خليلا
فأجابها - والقلب من لحظاتها
مدمى: كفاك منى الفؤاد عويلا
قالت وأنى لي وآي مدامعي
في صحف خدي نزلت تنزيلا •••
وقضى الغرام عليهما فتعاهدا
مستشهدين معالما وطلولا
وتبادلا خصلات شعر علها
يوما تكون من القلوب بديلا
لكنه لم يمض أسبوع على
سفر المحب وكان ذاك طويلا
حتى أتته من الحبيب رسالة
فيها نسيم الحب فاح قبولا
فتلا بها ما لو تلي يوما على
غصن ذوى لزها الغصين بليلا
أو لو تلي ما بين أرباب الهوى
لغدت مدامعهم تحاكي النيلا •••
وأضاع خصلة شعرها يوما فرا
ح إلى حماها ذاهلا متبولا
قالت تضيع إذن فؤادي مثلها
فعلام تطمع أن تكون حليلا
فأجاب: إني ما ذكرتك مرة
ولثمتها إلا شفيت غليلا
فرمت إليه بخصلة أخرى وقا
لت ما عهدت أخا الغرام بخيلا •••
وتفارقا حينا وإذ هو جالس
يوما بغرفته وكان أصيلا
وإذا بواش قال تزهيدا له: «للغير قد مالت» فصاح ذهولا
بئس المحبة لا يكون حليفها
شرفا به يغدو المحب نبيلا
وبدا بقطع رسائل كانت دوا
ء لا لداء العاذلين مزيلا •••
أما حبيبته فلما آنست
ذا الصد رام فؤادها التحويلا
وصبت إلى صب سواه وهكذا
حب النواعس لا يدوم طويلا •••
ودرى المحب بأمرها هذا وما
كاد الوشاة له فعاف مقيلا
وغدا إليها يرتجي عفوا عن ال
ماضي بألفاظ تطيب شمولا
في مجلس كانت رسائله الهوى ال
عذري وكان اللحظ فيه رسولا
لكنه لم يجن من غصن الهوى
ثمرا سوى الإعراض حتى عيلا
ومضى ونار الوجد تصليه فما
يزداد إلا رقة وذبولا
يشكو الحبيب وليس يشكو غدره
حذرا عليه بأن يعد خذولا •••
فأتى إليه جماعة من أهله
لما رأوه بحبها مشغولا
قالوا اغض عنها الطرف إنك واجد
إلا لنفسك أن فقدت مثيلا
فأجابهم والحب ينظم نثر مد
معه ببيت قاله ترتيلا:
من كان لا يهنيه إلا مريم
أترى يطيب له لقاء أديلا
وقال يصف طلعة البدر، وقد خيل له أن يمثل حبيبين متعانقين:
راح طيف الحبيب يسعى إلى
شبه محياه سابحا في الفضاء
فرآه بين الكواكب فردا
مثله بين عالم الأحياء
فانثنى نحوه وغادر أهل ال
وجد صرعى جوى على الغبراء
لو درى البدر بالذي حل فيه
لتوارى عن أعين الرقباء
ما كفى الغيد أنهن بدور ال
أرض حتى حللن بدر السماء
صريع الكأس
هيفاء ما إن عادها طيف الهوى
حتى غدت طيفا أرق من الهوا
عبثت بها أيدي النحول فشابهت
بنحولها ظبيا وباللطف الدمى
لم يجن ذاك سوى زيارة جيرة
زارت بها الأشجان من لحظي فتى
شجن تضمنه الغرام فلم يعد
من كشفه بد وفي الكتم الضنى •••
وكأن ذياك الفتى لما رأى
منها الشجون عراه منها ما عرا
فأتى مطيعا للغرام وإنه
قاض له الأقدار تعنو والقضا
وأباحها الوجد الحديث وما درى
أن الفتاة تحبه فيما مضى
فدنت وقد صبغ الحياء جمالها
وردا وقالت ما عساني أن أرى
أمليك قلبي أن... فقال مقاطعا:
لا بل أسير جمالك الباهي السنا
فالحب لا يحلو لأرباب الهوى
حتى يرافقه التذلل والعنا •••
ومضى وإذ شاء الغرام تعاهدا
حفظا لأسرار الصبابة والولا
وغدت تضمهما الزيارة حيث لا
واش يلومهما على نشر الهوى •••
وأتت حبيبته الغداة فراقها
ما آنست في وجه ذياك الفتى
نظرت بخديه احمرارا وهي من
نار الهوى صفراء لا تدري الكرى
فتبسمت فرحا وخالت نفسها
طيفا لديه فهاج طرفيها البكا
قالت تسائله بدمع لم تكن
تخفى خفاياه على أهل النهى
فرنا إليها قائلا كفي البكا
بالله وابدي لي حقيقة ما اختفى
قالت حبيبي مذ رأيتك باسما
تزهو على خديك أزهار الصبا
ورأيتني، وأنا حبيبتك التي ...
شجوى أكاد أذوب من حر الجوى
أصبحت بين الإبتهاج لغصنك ال
زاهي وبين الإنزعاج من الضنى •••
فدنا فتاها قائلا لا تجزعي
ما دام هذا الداء يشفيه الدوا
داء كبحت جماحه بترشفي
كأس المدامة دائما قبل الغدا
هذا، وراح حبيبها ثم انثنى
تغشى أنامل كفه كأس الطلى
ودنا إليها باسما فتبسمت
عن در مبسمها المورد بالحيا
ثم انثنت نحو المدام كذي ضنى
أشفى فصار يهيم في طلب الشفا
وترشفت منها القليل فراقها
ما شاقها من عذب ذياك اللمى
ورأت بأن الراح تعقب راحة
للقلب فارتاحت إلى دفع الأذى
وصبت إلى رشف الكئوس وقد كسا
ريق المدامة خدها لون الدما
هذا وقلب حبيبها من فرحة
أضحى يرفرف راقصا بين الحشا •••
حتى إذا أزف الرحيل وأظلمت
شمس اللقا صرعى بأسياف النوى
راحت تودعه فأودع قلبها
ما أودعت في قلبه نار الهوى
وثنت غصين قوامها نحو الحمى
ترنو ولكن مثلما ترنو المها
وسرى النسيم مصافحا صفحات خد
يها وقد نديت بأنفاس الندى
فعرا سناها الإصفرار وصدغها
داء الدوار وقلبها الدامي الضنى
وغدت على مهد السقام عليلة
ما بين داءين المدامة والجوى •••
وإذ انقضى داء المدامة وانتضى
سيف البعاد بكفه داعي الشقا
جاء الحبيب مودعا لا يرتجي
بعد النوى عنها سوى قرب اللقا
مدت ومد يد الصبابة والنوى
قالت وقال بكت وما يجدي البكا •••
حتى إذا طال الفراق وشاقها
حلو التلاق وراع أحشاها الأسى
وافى كتاب حبيبها فجرت لتأ
خذه ولكن ليس تدري ما جرى
وتلت ولكن ما يروع فؤادها
لا ما يساعده على دفع البلا
علمت بأن حبيبها أضحى على
مهد الضنا تنتابه أيدي الفنا
فمضت إليه ودمعها يجري دما
ودنت بقلب خافق خفق اللوا
هذا ولم تدري بأن حبيبها
يقضي صريع الكأس في ذاك المسا
كأس حدته إلى كئوس حيث لم
يردع هواه وكم فتى أردى الهوى •••
فرأت مليك فؤادها يحكي الهوا
رسما ولا يبدي حراكا كالهوا
فدنت من الآسي وقد غلب الأسى
ترجو شفاه حيث لا يرجى الشفا
وإذا بها سمعت نداء حبيبها
فاتته وهي تظنه رجع الصدى
وحنت عليه كطائر يحنو على
غصن ذوى كيما تشاطره الردى
فبكى فقالت - وهي تمسح طرفه
ببنانها: ما الداء يا روح المنى؟
فأجابها ندما يجود بنفسه:
ويلاه هذا الداء من ذاك الدوا
وقال في زفاف صديق على فتاة تدعى مريم:
أفؤادي على لساني أملى
ما يكن الفؤاد نحوك أم لا
أم ترى مريم تجلت لعيني
فأوحى جمالها لي قولا
يا رفيق الشباب إنك من عي
ني مكان السواد منها وأغلى
فهنيئا للبدر زف إلى الشم
س فحلت من قلبه حيث حلا
وقال:
مهاة أبت إلا انتقاما فلم ترى
لها هدفا تقضي عليه سوى قلبي
رمته بسهم من سهام لحاظها
لتلقي على العشاق أمثولة الحب
ليلة في المسرح
إلى قاعة التمثيل جاذبني قلبي
دجى وقناع الليل أستر للصب
فسرت كأني راكب في سفينة
من الشوق يجريها بخار لظى القلب
فآنس طرفي مذ دخلت أوانسا
تحجبن إلا عن عيون ذوي اللب
نظرن إلى الفتيان فتيان عصرنا
وقد أسكرتهم في الهوى خمرة الحب
فنابوا عن الجوق الممثل إنما
رواياتهم ما سطرت قط في كتب
على أنها قد سطرت في صحيفة
من الجهل يغشاها مداد من العتب
وأوحى بها للقلب لحظ أخي النهى
ولم يمحها إلا بمدمعه الصب
مدامع يجريها الأسى فوق وجنة
كوردة روض كللتها يد السحب
وقد صوبوا المنظار كالعسكر الذي
يحاول تصويب البنادق في الحرب
وأرسل كل سهم لحظيه رائدا
رياض خدود الآنسات من الحجب
أوانس إلا أنهن نوافر
إذا ما التقى يوم اللقا الهدب بالهدب
نواعس حتى يصبح الطرف للكرى
قرى ويناغي الطير في الغصن الرطب •••
فكانوا وما من سامع لممثل
ولا ناظر ما كان في مسرح اللعب
إذا ما شدا شاد فراق نشيده
سمعت صدى مص الشفاه من العجب
وإن راقهم منه التفنن قاطعوا
بتصفيقهم ذاك التفنن والضرب
وإن هو أوما بالبنان لغادة
وكانت وإياه تمثل ما يصبي
رنوا وانثنوا لا لارتياح وإنما
لراح تحاكي ريق مبسمها العذب
وأعجب منه ضحكهم ساعة البكا
ويقبح ضحك المرء في مشهد الندب
ولو رمت تعداد البواقي لما بقي
مداد بأطراف اليراع فما ذنبي
على أنني استبقيت آخر قطرة
كتبت بها ذا البيت مستغفرا ربي
ورأى غادة تقرأ في كتاب، فقال مرتجلا:
يا ليتني كنت سطرا
تحت اللحاظ فأقرا
أو كنت ضيفا لديها
من الجمال فأقرى
شهيدة الحب
لله موقف غادة
عبثت بمهجتها الشجون
لعب الهوى بفؤادها
غصنا تتيه على الغصون
فتقصفت أوراقها
حتى علا منها الأنين
ما تلك أوراق جنت
ها قط أيدي الغارسين
حتى تعود فتنجلي
للعين زهراء الجبين
تلك الجوارح إنما
رقت لتكسير الجفون
فجنى عليها الوجد ما
لم تجنه نبل العيون
من نظرة قد غادرت
في قلبها السهم المكين
فغدت تقول بلوعة
أماه هلا تعلمين
قد جاءني وحي الخفا
أني سأقضي بعد حين •••
فحنت عليها أمها
تبكي بكاء الخائفين
بيد تضم فؤادها
كالطير ضمته الغصون
وغدت تقول بلهفة
لله ما هذي الظنون!
ما أنت إلا وردة
حجبت فأنى تقطفين
تحيين ما بكت السحا
ئب أو جرى ماء العيون •••
فبكت بنيتها بدم
ع هاجه الداء الدفين
وثنت غصين قوامها
تشكو ولكن لا معين
وتقول من وله: إل
هي ارحم قلوب العاشقين
واغفر لهم زلاتهم
فلأنت خير الغافرين •••
حتى إذا بسم الصبا
ح وفتحت منه الجفون
نظرت فخالج طرفها
شبح رأته منذ حين
فدنت بجاذب شوقها
حتى إذا التقت العيون
ورأت حبيب فؤادها
يدنو وتحجبه الغصون
قالت وقد نشر الحيا
ء لواءه فوق الجبين
أهلا بمن ملك الفؤا
د هواه دون العالمين •••
فأجابها ذاك الفتى
فرحا بلقياها حزين:
يا من حوت ورد الريا
ض بخدها الباهي المصون
من لي بأن يبنى الهوى
منا على عهد متين •••
فتعاهدا حتى إذا
وافى حماها بعد حين
نظر الفتى في وجهها
دمعا فهاجته الشجون
وارتاب في حب الفتا
ة له وراعته الظنون
ورنا إليها قائلا
بالله ماذا تشتكين •••
قالت وقد بسط المما
ت جناحه فوق الجبين
أشكو شرابا صبه ال
رحمن في كأس المنون
وأتت به الأقدار تس
عى نحو ذا القلب الحزين •••
فبكى الفتى جزعا وصا
ح بلهفة أنى يكون
أبيقظة يا أذن أم
في الحلم ما قد تسمعين
فأجابه من عالم ال
نجوى لسان العاشقين
هيهات قد حكم القضا
ء وذاك أقوى الحاكمين
بجنى غصين قد حلا
منه الجنى دون الغصون
فاصبر على بلواك إن
الله يجزي الصابرين •••
فجثا الفتى جزعا وصا
ح: حبيبتي هل تسمعين
لا لا فذاك يروع قل
بك ذكره لو تعلمين
ما زلت في مهد الصبا
من روض حسنك ترتعين •••
فبكت حبيبته وقا
لت: تلك يا قلبي ظنون
فادنو حبيبي للودا
ع قبيل أن يدنو المنون
ويروع قلبينا بنأ
ي لا لقاء له يكون •••
فبكى وقال: حبيبتي
بالله ماذا تكتمين
وأراد تخفيف الجوى
منها وإبداء الحنين
وإذا بها سقطت تجل
ل ورد خديها الغصون
فدنا ينازعها الفنا
ندما ولكن لات حين ...
ويقول يا عذراء رف
قا بي وبالقلب الحزين •••
حتى إذا هدأ الظلا
م وعم في الأرض السكون
سمع الفتى من نحوها
صوتا يخامره الأنين
وهتاف وحي قائل
وا رحمتا للعاشقين
رثاء الملكة فيكتوريا
عزيز علينا أن أول صفحة
من الجيل تغشاها سطور المنية
وأن جنان الغيب يملي ودونه
بنان القضا يقضي برقم الرزية
هو الموت حتى لو دنت ساعة النوى
هوى فوهت من هوله كل همة
أفيكتوريا إن كان قومك روعوا
من الداء خوفا من وقوع الأذية
فكيف بهم والموت فوقك باسط
جناح الردى ينبي بعظم المصيبة
أفيكتوريا كم معجب بك قد غدا
يعلل نفسا باللتيا وبالتي
وكم من صفي بات بعدك دامي ال
فؤاد عديم الرشد واهي العزيمة
أفيكتوريا ما إن نأيت وفي الورى
سوى آسف باك وقلب مفتت
ملكت وثغر القوم بالبشر باسم
لما آنسوه من صفاء المودة
على أنهم لم يبسموا لملمة
ألمت ولا للخصم يوم الكريهة
عليك سلام الله ما حيت الصبا
فأحيت زهورا فوق تربك حنت
الكهرباء والحب
كيف لا يشمل البلاد الرخاء
في زمان سادت به الكهرباء
قوة تضعف القوي إذا شا
ءت ويقوى بمسها الضعفاء
تارة تلمس السليم فتردي
ه وطورا يشفى بها المرضاء
تنقل الصوت من بعيد بلا سل
ك كوحي قد نزلته السماء
وتسير الآلات من ضغط زر
هو للكهرباء راء وباء
وتحيل الليل البهيم نهارا
حين تعنو لأمرها الأضواء •••
زارت الكهرباء قلب محب
زاره الوجد والولا والوفاء
لم ترى موصلا إليه فتسري
عنه بل كان من مناها البقاء
ليس للقلب موصل فهو في الجس
م سجين سياجه الأعضاء
ليت ذي الكهرباء تطرق قلبي
حين يبدو من الحبيب الجفاء
علها تجذب الحبيب فيروي
كبدي عذب ثغره لو تشاء
وعجيب أن لا تلاشي قواها
وهي والله آلة صماء
ولحاظ الحبيب لما رآني
كان فيها من الهوى كهرباء
واقترح عليه مغن بيتين ينشدهما في غادة مطلة من نافذة فقال عن لسانه:
أطلت من الشباك محلولة الشعر
مهاة حكت في حسنها طلعة البدر
ومذ سمعت صوتي تثنت كأنها
غصين أمالته النسائم في الفجر
واقترح عليه بعضهم تكملة معنى هذا البيت:
هي البدر إلا أنها ذات برقع
تتوق لمرآها النفوس وتعشق
فأردف قائلا:
وما الليل أن يرخي الظلام سدوله
ولا الصبح ما تحكي سناه البوارق
ولكن ليل العاشقين احتجابها
وصبحهم في وجهها حين يشرق
الحنين إلى الوطن
يا بني الأوطان ما أحلى اللقا
وألذ العز من بعد الشقا
فمتى نحظى بغزلان النقا
ونريح القلب من هذا العنا •••
حكم الدهر علينا بالفراق
حين لا نقوى على مر الطلاق
آه وا شوقي إلى حلو التلاق
حيث أحظى من حبيبي بالمنى •••
آه وا شوقي إلى ذاك الحمى
حيث أضحى القلب صبا مغرما
يا إله العرش كن لي راحما
واشف قلبي من تباريح الضنى •••
تلك أوطان لها قلبي صبا
إذ قضى فيها أويقات الصبا
فاحملي بالله يا ريح الصبا
عني الشوق إلى ذاك الحمى •••
كنت قبل البعد لا أدري العذاب
لا ولا أعرف معنى الاحتجاب
غير أن القلب بعد البعد ذاب
فارحموا قلبي وداووا البدنا •••
قرب الله أويقات الهنا
وأراح القلب من بعد العنا
وإذا لم تدننا دار الفنا
فلقد تجمعنا دار البقا
وطلب منه صديق حاجة فأنشده:
قد طلبت القليل مني وما كا
ن فؤادي من الوداد مقلا
لك ما شئت يا خليلي فإني
في حياتي لسائلي لم أقل لا
عيد الجلوس
لا غرو أن لاحت كواكب سعده
تحكي بطلعتها أسنة جنده
والعيد أقبل باسما بجلوسه
كالسيف يبدو ضاحكا من غمده
عيد به رقصت قلوب أولي الولا
ثملى كأن شرابها من وده
وافى فلم يبق فؤاد ساكنا
حتى حسبت قلوبنا من وفده
وقد انجلت بيض الأزاهر وهي تح
كي الزهر لكن في أعالي مجده
ملك إذا عجز الورى عن مدحه
نطقت شمائله برائق حمده
فليهنك العيد الذي هتفت به
أبناء مصر والعراق ونجده
قد زان تاج الملك فاروق كما
يزدان إكليل الزهور بورده
العلم والمال
لبسوا البرد وانثنوا رافلينا
باختيال يستجذبون العيونا
وتحلوا وليتهم ما تحلوا
عن حلي العلا غدوا غافلينا
حلية النفس شيمة لم يشمها
غير لطف يعنو له الساحرونا
ليس باللبس والحلى خلد التا
ريخ ذكر الأماجد الغابرينا
إنما بالعلوم نالوا فخارا
لم ينله الملوك والمكثرونا
أين كسرى من ابن خلدون؟! هذا
عاش قرنا وذاك عاش قرونا
مات كسرى بموته وابن خلدو
ن لعمري بالذكر يحيى دفينا
كم غني قضى ولم يقض سؤلا
وذكي هدى فكان معينا
إنما الجود أن تجود بما عن
دك لا أن يعودك السائلونا
فاجن ما لا يفنى وإن فني المر
ء ودع ما تفني يد المنفقينا
فقليل مما يدوم لخير
من كثير يفنيه مر السنينا
الغراب والثعلب
رأى الغراب جبنة في دار
لبعض قوم من ذوي اليسار
فسل منها قطعة وطارا
كأنه قد ملك الإماره
وحينما حط على إحدى الشجر
رآه ثعلب فأحدق النظر
فلمح الجبنة فاحتال على
خطفها منه مظهرا له الولا
قال له يا محسن الغناء
ومخجل الطيور والظباء
لي سنة أطلب أن أراكا
لأسمع الرائق من غناكا
فهل تجود بالغنا يا سيدي
فتروي القلب بطيب المورد •••
فامتثل الغراب قول الثعلب
وراح يشدو بالغناء المطرب
فأوقع الجبنة من منقاره
غنيمة باردة لجاره
ففرح الثعلب وانتشلها
بفمه وبعد أن أكلها
ناداه يا غراب ما ظلمتكا
بمثل ما عاملت قد عاملتكا
سلبت إنسانا عليك ما اعتدى
وما فعلت الآن تلقاه غدا
والمال لا يخرج من كف الفتى
إلا من الباب الذي منه أتى
مقتل ملك السرب الأسبق
طرق الحب قلبه فاستماله
ليته لم يكن أطاع غزالة
ملك تمرح الظبا في حماه
وهو في أسرها فأين العدالة
يا بني السرب تلكم سنة الله
فهلا تلوتم أقواله
ومن اضطر غير باغ ولا عا
د فلا إثم يفتري أو ضلالة
لو نظرتم بعينه أو لمستم
بيديه بنان تلك الغزالة
لعرفتم قدر الهوى وعلمتم
أي شيء عن الهدى قد أماله
قد جنيتم عليهما قبل أن يق
طع كل من خله آماله
كان أولى عزل المليك عن العر
ش فعرش الهوى غدا أحلى له
من ممات تشارك اللحظ فيه
واليماني فقطعا أوصاله
وهو لم يرو من «دراغا»
1
غليلا
وهي باللحظ كم روت من مقالة
يا له موقفا به انتفضت أع
ظم صرعى الهوى أمام الجلالة
صائحات من عالم الغيب ترجو
للفقيدين عفوه ونواله
زيارة الحبيب
ركبت القطار إلى من أحب
وما غير قلبي له سائق
فسار ولكن بنيرانه
كأني به في الولا صادق
يراعي النظير فيجري سراعا
ولحظي دليل له سابق
ينير له ظلمات البعاد
بنور اللقاء ولا بارق
فيسترق الأرض في سيره
وما هو لولا الهوى سارق •••
فلما بلغت ديار الحبيب
طرقت فقيل من الطارق
فقلت محب دعاه الهوى
لينظر ما أبدع الخالق
فراشقته بسهام اللحاظ
بقلبي فليفتدي الراشق
فخدك ورد وثغرك ورد
يحوم على مثله الوامق
أسير السهاد طليق الرقاد
فقالت فديتك يا عاشق
وها مهجتي عربون الوفا
ليهنأ بها قلبك الرائق •••
فعدت ولكن رغم الفؤاد
يجاذبني حسنها الفائق
بفلك جرى في بحار دموعي
ومقذافه قلبي الخافق
أردد ذكرى ليال تسام
ر فيها المشوق والشائق
محاورة عاشقين
لعمر الهوى لولا العيون الذوابل
وهدب لحاظ في فؤادي ذوابل
1
لما صرعت أخت المها مهجتي ولا
سلاح سوى العينين حين تقاتل
رأتني لديها ناحل الجسم فانثنت
إلي وقالت ما لجسمك ناحل
فقلت وهل يحيا غصين بلا ندى
فقالت ففي كفيك ما أنت سائل
فقلت ولكن قد ذوى من لظى الهوى
فقالت وهل يذوي ودمعك وابل
فقلت لعل الشمس عنه تحجبت
فقالت ففي خدي شمس تماثل
فقلت أتبدو الشمس والبدر طالع
لعمرك قد قلت لدي الوسائل
فقالت عجيب ما ذكرت وإنني
وإياك دوما نورنا متكامل •••
وملت بها نحو الرياض فآنست
أزاهر ورد غصنها يتمايل
فقالت أرى غصنا يميل ولا هوا
أبين هوانا والهواء تبادل
فقلت ولا بدع فإن شموله
سرت فحكتها منك تلك الشمائل
وإن احمرار الورد بين غصونه
كخديك لما داهمتنا العواذل
فلولا الحيا ما راق ورد لناظر
ولا حببت للواردين الخمائل
ولولا الهوى ما ماس غصن بلا هوا
ولا أحدقت بالقلب تلك السلاسل
فأنت منحت الورد نور ملاحة
ونار التياع فهو زاه وذابل
وعلمتني وصف الجمال ولم أكن
جهلت ولكن كان لي عنه شاغل
إلى أن تراءى لي هواك وإنه
وعينيك ذا سحر وهذي قنابل
فأشغلني إلا عن الغزل الذي
يحبب لي مرآك ما غاب عاذل
وإن غبت ناجى البدر عني فإنني
إذا لم أسله عنك فالطرف سائل
وقال:
لله موقف عشاق الجمال إذا
أوتوا العفاف فماتوا من ظبى الحدق
وإن قضوا في الهوى صرعى فشافعهم
لدى المهيمن ما عانوا من الأرق
ومن قصيدة له في الغزل:
ما ذقت كأس الهوى حتى ذوى جسدي
يا ليتني لم أذق كأس الهوى بيدي
لقد جنيت على نفسي وقد جهلت
أن الهوى بمقام الروح من جسدي
ذقت العذاب وقد كفرت عن خطئي
فاخلع أخا الغيد ثوب النأي والحرد
وارحم حليف سقام ساقه قدر
إلى الهوى فهوى عمدا ولم يعد
رام الغرام ولم يعلم عواقبه
فهام تيها وما في النفس من جلد
عن الملاحة قد زاح اللثام فما
لاحت لعينيه حتى صاح وا كبدي
تلك السهام سهام اللحظ لو نشبت
في قلب أسد لما أبقت على أسد
فكيف فيمن غدا من نار لوعته
تراه وهو قريب مثل مبتعد
وهكذا الحب لا تحيى معالمه
حتى يميت فلا يبقي على أحد
وقال عن لسان عاشق يخاطب طيرا:
مهلا فقلبي لا يقوى على الكمد
طير الأراك كفى ما هجت من كبدي
يحن قلبي إلى نجواك ما سمعت
أذني صدى شدوك المشجي فلا تزد
أراك تبكي على إلف فيوحشني
ذكر الحبيب بليل زائد السهد
تبكي فأبكي كأنا في الهوى شرع
ويهجم الدمع فوق الخد من حسد
هو الغرام بقلبي لا يزال وهل
ينأى الهوى من فؤاد الشيق الكمد
وقال:
إلى كم أداوي القلب من ألم البلوى
وأشكو لدهر لا يرق لذي شكوى
ومن كان ذا قلب يصارعه الهوى
فأنى له أن يتقي مضض البلوى
فرفقا به بالله مما أصابه
ومن زاد منه اليأس يقنع بالنجوى
الجمال
ما رقيق الفؤاد رب الشمائل
غير صب نحو المحاسن مائل
إنما الحسن سلم يرتقيه
من دعاة الهوى جهول وعاقل
فهو يسمو بذي العفاف فيزدا
د عفافا وينثني بالجاهل
أودع الذوق في الحسان فظلت
تبتغيه النساك من غير طائل
وتبدت عنه المحاسن تحكي
في سماء الآداب بدرا كامل
صاح هلا خلا فؤادك من رش
ق سهام من اللحاظ القواتل
فلعمري ما ذاق قلب محب
مثل ذاك القلى بتلك المجاهل
يوم كنا من الشباب سكارى
يوم كان المشيب عنا غافل
الهوى العذري
أهوى الظبا ويحول دون مرامي
شرف صبوت إليه منذ فطامي
ويشوقني ذكر الحبيب فلا أرى
لي مؤنسا غير الفؤاد الدامي
قلب إذا هاج الغرام كلومه
عكس اللظى عنها كليم غرامي
فيلوح لي أن الحبيب مجالسي
وهما وليس سوى الخيال أمامي
يبدو الخيال كأنه بي شافع
عند الحبيب فتشتفي آلامي
غلب الصفاء جفاءه فغدا وقد
رسمت محاسنه بطرفي الهامي
آيات دمع ما تلوت سطورها
إلا انجلى وجدي وخف سقامي
فأبيت لا أشكو لقاء جميله
ويبيت يشجيني نحول قوامي
وقال:
تراءت وراء الستر مكشوفة الستر
فشقت بلحظيها الحجاب عن السر
وسارت فصار العاشقون لحسنها
أسارى وأضحى الحر يرحب بالأسر
وما خطرت إلا لكسر خواطر
ونشر خزامى حبها في الهوى العذري
ودارت أحاديث القلوب عن التي
بها قد صبت شوقا إليها ولم تدر
فما سمعت إلا صداها وما رأت
سواها فهامت في المهامه والقفر
ونادت وما من مستجيب لسؤلها
سوى طلل حطت عليه يد الدهر
فجادت بدمع هاجه الشوق والأسى
ولم تدر أن الحب يذهب بالعمر
فحنت لشكواها الحمام وساءلت
بتغريدها تلك القلوب عن الأمر
فقالت ألا تدرين أن مساكنا
أقمنا بها من قبل صارت إلى القبر
أناس رأوا نبل اللحاظ فراعهم
ظباها ولم يخشوا من البيض والسمر
ألا فاندبي يا طير قوما تولهوا
فماتوا وقلبا ذاب من علة الهجر
وقال:
ضممتها ودموعي فوق وجنتها
تناثرت كاللآلي ذبن من وهج
كفى برقة قلبي شافعا وبما
أراق طرفي وما ألقاه من حرج
يا زهرة صادها مر النسيم ضحى
فغادرت بعدها الأغصان في عوج
مني علينا بنشر من شذاك عسى
يحيي الفؤاد فيرضى منك بالأرج
وسائلي السحب عن دمعي وعن كبدي
سلي غصين الربى بالله إن تعجي
يجيب عني بأني والهوا شرع
من الهوى غير راج منحة الفرج
وإن يدم أبدا هذا الفراق لنا
فما على الروح بعد الصد من حرج
وقال:
فداء عينيك قلب العاشق الباكي
على زمان تقضى بين نعماك
وحق عهد الهوى ما جدت مفتديا
بالقلب إلا لأن القلب يهواك
نأيت تيها فتاه العقل وا أسفي
واشتد مني الهوى شوقا لمرآك
رفقا بحال فتى فاضت مدامعه
فما أهاج لظاها قلب سفاك
سألت عن علتي آسي الغرام ضحى
فقال إن شفائي من لمياك
نعم فما كان أحلى ما أشار به
لو لم يكن مجتنيه ثغر فتاك
فكم بلحظيك ذات الحسن قد زهقت
في الحب نفس وكم راقت حمياك
كفى بربك كفي عن قتيل جوى
يكفيه ما فعلت بالقلب عيناك
إن شئت صفحا فقلبي قد صفا طربا
أو رمت قتلي فعبد من رعاياك
وقال:
سلي لاعج الأشواق عن هائج الوجد
وعن مدمعي الهامي سلي طلعة الورد
يجيب فؤادي عنهما إن ما همى
من الطرف بعد البعد بعض الذي عندي
نأيت وقلبي لا يزال من الهوى
كليما فلم يقوى على ألم البعد
كأن فؤادي فوق نار من الهوى
يزيد لظاها كلما زيد من وجدي
كفاك سليمى ما تريقين من دمي
دواما ومن دمعي السخين على خدي
أيجمل في شرع الصبابة أنه
يجازى أسير الود بالنأي والصد
الإحسان
قصيدة ألقيت في نادي الاتحاد السوري بالقاهرة
أي طرف يرى الزمان أساء
لكريم ولا يسيل الدماء
إنما العين للفؤاد رسول
إن قضى نفذت له ما شاء
أيها القوم إن في مصر قوما
سئموا العيش قلة وشقاء
رشقتهم أيدي البلا بسهام ال
فقر لكن أصابت الأحشاء
مذ رأوا أنهم على غير ما كا
نوا تواروا عن العيون حياء
فإذا طال أمرهم وغضضنا ال
طرف عنهم أصابهم ما أساء
وهو ما لا يرضاه شهم كريم
ألف الجود والولا والإخاء
ذلك الشهم أنتم أيها القو
م ففيم يرى الفقير الرجاء
فضلة من طعامكم هو يرجو
مثلما يرتجي العليل الشفاء
أن تجودوا على الفقير بشيء
تقرضوا الله ربكم أشياء
فانبروا كلكم إلى ساحة الإح
سان من محسن ومن حسناء
فسباق للخير خير سباق
يستحق الجواد فيه الثناء •••
لست أنسى وقد سمعت أنينا
ذات ليل وخلت طيفا تراءى
قلت من أنت قال إني حي
شبه ميت أرى الحياة شقاء
أتراني وقد حنى الدهر ظهري
وسقاني من مره ما شاء
قد تركت الأبناء يبكون من جو
ع وأما تعلل الأبناء
وقصدت التماس رزقي ليلا
خجلا من معارفي واختفاء •••
هاج قلبي بقوله وهو فرد
من مئات يشكون هذا الداء
فعلام سكوتنا وببعض ال
مال نحيي أولئك الفقراء
فإذا هددوا بفقد حياة
فلهم نشتري الحياة شراء
لطف الله ما بهم إن لطف
الله
1
أضحى للبائسين رجاء
قصيدة ألقيت في حفلة جمعية القديس جرجس
شكا لي فقير مرة سوء حاله
وما كان غير الدمع لي منه شاكيا
يسطر فوق الخد آيات بؤسه
فتنقل نار الحزن عنها المعانيا
رآني وقد أدركت ما في فؤاده
وطالعت في عينيه ما كان خافيا
فسري عنه ثم قص علي ما
يقاسيه من جوع فأدمى فؤاديا
وقال وما أبكي لجوعي وإنما
لجوع صغار لي لقد رحت باكيا
فكنت كغصن أثقلته ثماره
فمال إلى أرض الحديقة هاويا
ولو سندته كف معط قبيلما
هوى لجنت منه القطوف الدوانيا
وماذا عسى تجني سوى الأجر وهو ما
يرجيه في أخراه من كان راجيا
إذا جاد أقوام بمال فحسبهم
إذا عوضوا منه الثنا والمعاليا
ترى المال في كف البخيل حجارة
وفي كف رب الجود تلقاه زاهيا
وما ذاك إلا أنه بدمائه
يجود إذا ما جاءه الجار شاكيا
فقلت له مهلا فإنك نائل
بجمعية القديس جورج الأمانيا
فإن بها للبائسين مدارسا
وللمرضا مستوصفا ومداويا
وللجائع المسكين زادا وكسوة
وللميت مثوى حين يعدم شافيا
عمر بن الخطاب والعجوز
قصة واقعية
قال ابن عباس رأيت عمرا
يجول ليلا وهو قد تنكرا
قلت له وقد تولاني العجب
تقصد من؟ فقال أحياء العرب
أراقب الظالم والمظلوما
فلا أكون في الورى ملوما •••
حتى إذا أدرك أطراف الحمى
في سيره رام الرجوع إنما
رأى عجوزا حولها الأولاد
يبكون من جوع وقد تمادوا
في الحزن والبكاء حتى عيلوا
صبرا وأمهم غدت تقول
مهلا بني فالبكا حرام
عما قليل ينضج الطعام
هذا وتحت قدرها قد أشعلت
نارا وفي القدر المياه قد غلت
لكنه طال بنا الوقوف
ولم يقع في يدهم رغيف •••
وعمر لما رأى ما هاله
دنا إليها قائلا يا خاله
ما لي أرى الأولاد يبكون ولا
يرق قلبك لهم حتى علا
صراخهم ولست تسكبينا
لهم طعامهم فيأكلونا؟
فهزت العجوز رأسها لما
خالج سمعها وقالت إن ما
تراه يا مولاي في القدر غلى
ليس بأكل يشتهى أن يؤكلا
بل تلك والله علالة لهم
تشغلهم عن جوعهم لعلهم
إن سئموا البكاء والعويلا
في الانتظار رقدوا قليلا •••
فرق قلب عمر لقولها
ونظر القدر فلم يلق بها
غير حصى غلى عليه الماء
فاسود من بخاره الهواء
فقال يا خالة بالله اذهبي
إلى أمير المؤمنين واطلبي
منه فقالت سيدي علاما
قاتل ربي ذلك الإماما
يترك مثلي ما لها بين الملا
أخ ولا زوج ولا مال ولا ...
فقاطع الإمام قولها وقد
كان كسيف جردته أو أشد
وقال من يعلمه بحالك؟
قالت وما تلك فعال المالك
وهو كراع إن يفارق غنمه
أضاع من خرافه ما غنمه
قال صدقت عللي الصغار
وانتظري عودتنا وسارا
وقال لي أسرع بنا قبيلما
يمسون من حزن وجوع نوما •••
وما بلغنا مخزن الدقيق
حتى انثنى وقال يا رفيقي
ارفع معي ذا الكيس فهو حملتي
وائت وإياي بتلك الجرة
وملؤها سمن فقلت أمركا
أسأل ربي أن يطول عمركا •••
وحينما تناصف الطريق
نظرته يلهث والدقيق
ينهال فوق وجهه ولحيته
فملت كي أريحه من حملته
فقال إن حملت عني حملتي
فمن ترى يحمل في القيامة
عني ذنوبي وهي من فرط الزلل
تزيد عن رضوى لعمري في الثقل
وحينما عدنا إليها وضعا
شيئا من الدقيق والسمن معا
في قدرها وأضرم النيرانا
حتى غدوت أنظر الدخانا
يصعد من خلال شعر لحيته
فقلت أين عمر في رفعته •••
حتى إذا ما أكلوا وناموا
من فرح قال لها الإمام
إني امرؤ من نسب الأمير
فإن رأيت في الغداة سيري
بهم إلى دار الأمان وأنا
أطلعه ما دار فيما بيننا •••
وحينما جاءت أجالت نظرا
فأدركت أن الإمام عمرا
ذاك الذي قد زارها ليلا فما
رأته حتى خضبت لون الدما
فأدرك الإمام أن قد خجلت
لما بدا منها له إذ جهلت
أمره فانثنى إليها قائلا
لا تجزعي فإن نخيب سائلا
يخيب الله لنا الرجاء
ثم دعا غلامه فجاء
بصرة من ماله دفعها
إلى العجوز إنما شفعها
براتب يعطى لها شهريا
فشكرت أفضاله مليا
نهر البردوني
بزحلة (لبنان)
حبذا النهر وهو يهدر منسابا
كأفعى بين الصخور انسيابا
هل درى أنه محاط بغيد
فتغنت أمواجه إعجابا
أو رأى حوله العذارى جلوسا
فتوارى بين الصخور احتجابا
أم تراه يهيج من ألم البع
د فيزداد دمعه تسكابا
ينثر الدمع لؤلؤا عن يمين
ويسار فيخلب الألبابا
وسهام اللحاظ تصليه نارا
فترى لؤلؤ المدامع ذابا
من رأى قبل لؤلؤا ذاب من رش
ق سهام ثم استحال شرابا
ذاك وحي الغمام سطره الغي
ث على صفحة المياه حبابا
تخميس بيتين:
جهل الأحبة ما عراك فساقوا
سحرا مطاياهم وعز لحاق
فأهاج مدمعك العصي فراق
لا تخف ما فعلت بك الأشواق
واشرح هواك فكلنا عشاق
لو كنت تدري ما تلاقي من جوى
لعلمت أن الحب ليس له دوا
وشرحت ما تلقاه من ألم النوى
فعسى يعينك من كشفت له الهوى
في حمله فالعاشقون رفاق
عاقبة الغرور
قدر النصر حينما رام هتلر
أن يسود الورى فأفنى ودمر
جاهلا ربه وما خطه في
عالم الغيب من جزاء وسطر
قال إني جبلته من تراب
وإليه أعيده فليحذر
قد طغى الشر في البلاد فألقى
الله درسا على العباد وأنذر
كان أولى من القتال وأوفر
اتفاق بمثلهم كان أجدر
تترك الحرب عائلات بلا مأ
وى ولا ملبس ولا زاد يذكر
بين ثكلى وأرمل ويتيم
وكسيح وذي ذراع أبتر
حسبكم ما فقدتم من شباب
وهدمتم من منزل أو متجر
لو بلغتم من القوى ما بلغتم
فاتقوا الله فهو أقوى وأقدر
أو خشيتم كبيركم فأطعتم
أمره مرغمين فالله أكبر
استخدام العلم لهلاك البشر
رهب الممات وما الحيا
ة سوى مقدمة الممات
فالموت آخر آية
قد أودعت سفر الحياة
سفر يسطره القضا
ء بما حواه من عظات
في لوحة الغيب التي
شملت مصير الكائنات
هذي شرائع سنها
الله فجاءت محكمات
إذ حرمت قتل النفو
س أو اقتراف المنكرات •••
حتى إذا ارتقت العلو
م وليتها ارتقت الصفات
قصر ابن آدم همه
في صنع شر المهلكات
منها البنادق والمدا
فع والمدى والقاذفات
وبواخر غواصة
وبوارج ومدمرات
وقنابل ذرية
تلقي الردى من طائرات
سكان هيروشيما أم
سوا بعدما انفجرت رفات
حتى المنازل روعت
منها فخرت ساجدات
فاعجب لمن رهب المما
ت فراح يعبث بالحياة
السيارة
سيارة بي سائرة
تنهب طرق القاهرة
طائرة لكنها
بلا جناح طائرة
يخفق قلبها فتج
ري في الطريق حائرة
كأنها قد فقدت
إلفا فراحت ثائرة
من كل من صادفها
من عابر أو عابرة
تذهب بالأرواح ل
كن عن طريق الآخرة
ما هاجها البنزين يغلي
أو سعير الهاجرة
وهي التي اعتادت على
أحر منها صابرة
بل هاج نار قلبها
نبل الجفون الساحرة
فنفرت لتتقي
شر ظباء نافرة
سخرن منها فغدت
من الحياة ساخرة
تصدم كل سائر
تلقاه وهي سائرة
الطائرة
طائرة تعلو على ال
سحب إذا الخطب ادلهم
كأنها البركان قد
تناثرت منه الحمم
لتحصد الأرواح وال
زرع فما ترعى الذمم
لا فرق بين يافع
ترديه أو شيخ هرم
كم كنت يا طيار قد
ما تخدم العلم وكم
كشفت عن آثار بل
دان تغالت في القدم
خاطرت بالروح ورح
ت بالثلوج تصطدم
حتى بلغت القطب بع
د أن نبت عنه الهمم
فكنت خير خادم
للعلم بل هادي الأمم
فما الذي غير ما
كنت عليه من شمم
أطاعة القائد وه
و الآمر الناهي الأصم
أم رغبة الحاكم أن
يبني قصورا من رمم
إذ فاته ما كان مس
طورا بمنثور الحكم
إن ينم العاتي فلل
رحمن عين لم تنم
الراديو
أيها الراديو العجيب رويدا
حسبك الله قد سلبت العقولا
أنت سر ولست تكتم سرا
وصريح فلست تخشى عذولا
إنما المكرفون أذنك إن يس
معك قولا تنقل لنا ما قيلا
دون تبديله فرائدك الصد
ق ولن ترتضي له تبديلا
ولقد يصدق الجماد ولا يص
دق حي في القول إلا قليلا
تطرب القوم إن شدوت وتهدي
هم بآيات ربهم ترتيلا
وتذيع الأخبار حينا وتسدي
لهم النصح بكرة وأصيلا
لا تمل الجليس مهما تغاضى
عنك أو مل صوتك المنقولا
رغم ما جئته به من مقال
لتسري عنه فكان ملولا
لو رآك الأسلاف قدما لظنو
ك خباء حويت عزرائيلا
ذكرى الشباب
لك الله أيام الصبا كلما صبا
إليك محب ذكرته بك الصبا
فإن كنت حلما لا أراني بحاجة
إلى يقظة ما دام حلمي محببا
أيحلو الهوى العذري في غير عالم ال
خيال رعاك الله يا جيرة الصبا
فكم آلمت نفسي الحقائق في الهوى
كأني بالأوهام تخفي النوائبا
وقد تبت لما صافح الشيب مفرقي
وقلت له أهلا وسهلا ومرحبا
تذكار الصبا
موشح
آه وأشواقي إلى عهد الصبا
يا لعهد كاد ينسيني غدي
كم هفا القلب إليه وصبا
لحبيب لم يعد طوع يدي •••
هاجت الذكرى فؤادي عندما
صوبت نحوي سيوف مشرعات
سلها لحظ حبيب طالما
ذقت من لحظيه ما أرضى الوشاة
وارتشفت الخمر من فيه وما
أسكرتني الخمر لولا الرشفات
يا له عهد إليه كم صبا
قلب صب ذاق عذب المورد
هل يعيد الدهر لي ما سلبا
من هوى ولى ولم يرو الصدى •••
كيف يروي الحب ولهانا وما
يرتوي إلا بتلك البسمات
فإذا الهجر بقلبي أضرما
نار شوق أطفأتها العبرات
إنما طوفان نوح حينما
فاض كان فيضه من قطرات
فإذا ما بلغ السيل الزبى
وانقضى عهد الشباب الأرغد
سطر الشيب على هام الصبا
آية تنبي بقرب الموعد
نصيحة والد
ليس يصغي الفتى لنصح أبيه
يا لعصر كل العجائب فيه
إن نهاه لم ينته بل على العك
س تمادى في كل ما يشتهيه
ربما ظن أنه فاق بالعل
م أباه بل فاق كل نبيه
إن من يحفظ العلوم ولا يد
رس علم الحياة مثل أبيه
كالذي ابتاع ثوب عرس ولما
حان عقد الزواج لم يرتديه
قصة واقعية
أتته وقد ود لو نالها
ليلقي الشباك على آلها
ولو علمت أن تلك الزيار
ة سوف تخيب آمالها
وتلقي بها في غمار الشقاء
لما خطرت قط في بالها
وآثرت الداء لا بد يشفى
على قيد نفس بأغلالها •••
تظاهر بالميل شوقا إليها
ولكن ليحظى بأموالها
كذلك حال صغار النفوس
عبيد الحياة وأنذالها
وأهمل واجبه كطبيب
وشر الصناعة إهمالها
ولا خير في الطب إن لم تزنه
صفات تشرف من نالها
رآها فما هام في حبها
ولكنه هام في مالها •••
مضى نحو أسرتها طالبا
كريمتها دون إمهالها
لتسأل عنه فخالت فتاها
بحب الفتاة غدا والها
رأوه يمثل حلو الخصال
فخالوه أهلا لأمثالها
يقلد ما فاته من صفات
ويبدي اهتماما بأقوالها •••
سلوا ما جنته عليه الفتا
ة بعد الزواج وقد هالها
تحوله من كريم إلى
لئيم يحاول إذلالها
وما رام منها الزواج لميل
ولكن لمال لدى آلها
ألم تك في شرعه سلعة
بسوق الرقيق كما خالها •••
إذا ما أطلت من طاقة
على الفور هم بإقفالها
وإن هي جاءت إلى شرفة
لتجلس شك بأفعالها
يحقرها لا لذنب ولكن
ليزهو فخارا بما نالها
سجينة بيت لقد خالها
لديه فأحبط آمالها
جنى وردة قد زهت إنما
عراها الذبول لإهمالها •••
وقد حال دون زيارتها
ذويها فتشكو لهم حالها
ولا بحضور حفلة عرس
شقيقتها قد دعتها لها
ولا بزيارة أم الفتاة
إذا لم تهبه من مالها
إلى غير ذا من قيود جسام
تنوء الفتاة بأثقالها
ويحسب أن وداعتها
سخافة عقل كما خالها
ومن كان يجهل قدر الفتاة
الوديعة يأبى إجلالها
فهلا اتقت شر من أحسنت
إليه فأنكر أفضالها
ولم تك في شرعه زوجة
فقد كان يزهو بإذلالها
ولكنها خادم دون أجر
وسيدها عبد أموالها •••
عهدت الأسود ولو مسها الجو
ع تأبى افتراس أشبالها
وما كان عهدي به أن أتته ال
مريضة كاد يغتالها
ولم يتعظ بالوحوش الضواري
تسامت عليه بأفعالها
غيور حسود يباهي بشر
صفات يلي ذكرها نالها
محبة ذات وموت ضمير
وقلة ذوق وأمثالها
ولو كان يعلم أن يد الله
تعمل في الغيب أعمالها
فتجزي المسيء ولو بعد حين
لتاب وأصلح من حالها
وأدرك أن الفتاة تضحي
لإسعاده العطف من آلها
وتعمل كل ما يرتضيه
إذن لتغنى بأفضالها
وما كان كره طفلا بريئا
بأم تحن لأطفالها
ولا كان عاشر جيرة سوء
وشر العشيرة جهالها
ولا أودع السجن وهو طليق
فتاة تودع آمالها
وكف عن الطعن فيها وأولى
به أن يقوم بإجلالها •••
فليس الزواج لديه سوى
وسيلة كسب لقد خالها
ليقضي الليالي بدور القمار
ويرجع من بعد إقفالها
فيأوي إلى غرفة حرمت
عليها فيأبى إدخالها
وإن عيرته بلعب القمار
على الفور كذب أقوالها
إذن أين يقضي الليالي ويتر
ك أما يضيق بسؤالها
أفي معبد أو نوادي علوم
وما جاز يوما بأطلالها
أحال نعيم الحياة جحيما
وبدد باللهو أموالها •••
وأولى بمستهتر بالزواج
حياة العزوبة يحيا لها
فيلهو ويمرح ما من رقيب
وتنجو البريئات أمثالها
فإن الأصيلة لو يعتليها
أصيل لفازت بخيالها
يذكرنا بعصور خلت
وما كان أفظع أعمالها
فيا ليت منها انتقى زوجة
فتحظى الطيور بأشكالها
وتأمن ذات الحضارة شر
وصال يقطع أوصالها
وظلم فتى هاج آلامها
وخيب في الحب آمالها
وما زال يزهو تيها وعجبا «بدبلوم» طب قد نالها •••
أحاطت به زمرة اللاعبين
ألا قبح الله أفعالها
ولما خلا جيبه غادرت
ه ينعى الديار وأطلالها
وجرت عليه الخراب فعادت
تلك الفتاة إلى آلها
ولكنها بعد أن مثلت
مآسي الحياة وأهوالها
على مسرح الدهر إذ ملها
وما زال ينفق من مالها
إليكم بني وطني عبرة
يضن الزمان بأمثالها
عالم الروح
يا عالم الروح ما روحي بفانية
فهل لها موطن في العالم الثاني
وهل لها ملجأ تأوي إليه إذا
حم القضاء وحلت قيد جثماني
وهل هنالك روض تستظل به
ومرتع تتقي فيه بخلان
وهل يدور حديث بينها وترى
ما لا يراه الورى في العالم الفاني
أم التخاطب فيما بينها أبدا
تبادل الفكر بين القاصي والداني
وهل تحن إلى ربع به نشأت
ما بين أهل وأحباب وإخوان
وتذكر الجسد الفاني وما لقيت
خلاله من إساءات وإحسان
ومن تباريح وجد سامها رشأ
وما تلا الوجد من لقيا وهجران •••
وهل لمخترع وافت منيته
ولم يتم اختراعا كان ذا شان
بأن تتممه روح له صعدت
كأنها لم تزل في جسم إنسان
وهل لنابغة في جسمه الفاني
نفس النبوغ ترى والجسم روحاني
أم ينتفي بانطلاق الروح من جسد
نبوغ نابغة أو فن فنان •••
فإن أخذت برأيي فهي مسألة
لم يختلف أبدا في حلها اثنان
فالله مذ خلق الإنسان من عدم
ما كان يقصد منه خلق أبدان
لذاك ميزه من غيره فسما
روحا وعقلا وهذا خير برهان
فالجسم فان وروح المرء خالدة
ما بين عالمنا والعالم الثاني
في عالم الروح تنهي ما به بدأت
كأنها لم تزل في جسمها الفاني
وسوف تعمل ما يرضي الإله ومن
يرض الإله ينله خير غفران
بين الجسد والروح
تولى الصبا بين لهو وحب
زمان به كم يعاني المحب
أحب فأخلص في حبه
فمات شهيد هوى من أحب
فهل تتلاقى روحاهما
إذا غاب جسماهما في الترب
وهل يشكوان ما صادفاه
إلى الله من لوعة أو نصب
وهل يلتقي العاشقان ولا صد
يفصل روحيهما أو سبب
وتنعم روح المحب بروح ال
حبيب تجلت وراء الحجب
ويشكو الخليل إلى خله
ويعتب لو كان يجدي العتب
يردد ذكرى حياة الصبا
تولت ولم ترو غلة صب
وفي عالم الخلد ما من رقيب
ولا عاذل في الحمى يرتقب
فلا عجب أن يعم الصفاء
بدار البقاء إذن لا عجب
أليس هنالك تصفو القلوب
وتحيا الضمائر في ظل رب
ويخشى الحسود شر الحسد
فيحتقر المال والحسب
ويبرأ من حقده حاقد
يرى حقده سيئ المنقلب
ويعدل عن ظلمه ظالم
يرى العدل خير مثال يحب
ويقلع عن حب ذات وزهو
وشر خصال لا تستحب
ويعلم أن الحياة كجسر
وحسن اجتيازه عز الطلب
فمن لم يحاذر عند اجتياز
جسر الحياة فقد ينقلب
ويغرق في اليم ما من مغيث
وما اليم إلا سعير اللهب
فلا تنخدع بحسان الغواني
فقد يسلب الدهر حسنا وهب
فإن الجمال ربيع الحياة
يمر سراعا مرور السحب
ويأتي الخريف فتذري غصون ال
نقا فتنت في الصبا كل صب
وما ذهب الكون مسترجع
إلى ذات خدر جمالا ذهب
وأفضل منه جمال النفوس
يدوم إذا ما توالت حقب
فمن فاته من سمت روحها
فمن روحها روحه تقترب
مناجاة الروح
سلوا الروح هل تصبو إذا ما تولت
إلى الجسد الفاني الذي فيه حلت
وما خيرت بل سيرت حين هجره
بأمر إله الكون باري البرية
ولو ذكرت حسن الجوار لشاقها
زمان تقضى بين هند وعزة
وأيام أنس أينعت في ظلالها
ثمار الهوى تذري بأثمار روضة
جنت ما حلا منها على حين غفلة
من الدهر لكن مذ أفاق تولت •••
فيا روح ما بعد الصبا لك لذة
رعى الله أيام الصبا والصبابة
فقد كنت نبراسا هدى جسدي وكم
عصاك فأسديت له من نصيحة
ويا روح كم ضلت عن الحق أمة
تملكها ظلم فأودت بأمة
فذو العقل يستوحي من الروح عقله
ويستوحي منها الجهل رب الجهالة
ولولاك ما امتاز ابن آدم أو سما
على كل حي بالصفات الحميدة
ولا اكتشف الإنسان ما حير الورى
وفاز بعلم أو سما بصناعة
ولا كان معنى للحياة وقد خلت
مباهجها من لذة معنوية
ومن كل ما يصبو إليه أخو النهى
فيقنع من وجه الحبيب بنظرة
ويطربه منه حديث عن الهوى
يعيد له ذكرى هوى آل عذرة
ويبعث فيه الشوق تغريد طائر
يناجي أليفا صان عهد المودة •••
وليست حياة المرء غير رواية
وما الروح منها غير معنى الرواية
وما سنوات العمر إلا فصولها
وأيامها إلا سطورا بصفحة
وما قد تلي منها فذلك ما انقضى
من العمر تطويه أكف المنية
فسطر بها ما راق يوما لسامع
وحاز رضا الرحمن يوم القيامة
فتنعم في الدارين حتى إذا انجلى ال
حجاب تجلت قدرة الله جلت
الاتصال الروحي
تعطف الروح إذا استعطفتها
رغم ما عانته من قيد الجسد
قد سمت في عالم الروح وما
عالم الروح بعيد عن أحد
فاختلاف الاهتزاز بيننا
يحجب الروح ولو لم تبتعد
وإذا رمت اتصال الروح بال
جسد الفاني فأصلح ما فسد
وابتغي للغير ما تبغي لنف
سك واحذر شر حقد أو حسد
والتمس رحمته يرحمك من
وسعت رحمته ما لا يحد •••
لو تجردت من الدنيا لأد
ركت من دار الخلود ما بعد
وسمت روحك لا تلوي على
غير روح ليس من لقياها بد
يا لها لقيا حبيبين وما
التقيا وجها لوجه من أمد
عن لقاء الروح إن كل الجسد
فله من روحه خير عضد
إنما الإيمان بالله لأق
وى اتصالا بين روح وجسد
في الحكم
كل من يجهل ما معنى الحياة
ليس إنسانا
أو يمني نفسه بالأمنيات
عاش كسلانا
أو يضيع الوقت بين الغانيات
مات حيرانا
إنهن كالأفاعي ملمسا
ناعمات الخد
تنتهي عشرتهن بالأسى
كلما تمتد
إنما خير جليس تصطفيه
حينما تهوى
تستقي من علمه ما تشتهيه
ريثما تروى
كل سفر أنت تتلوه وفيه
غاية السلوى
من يسئه من خليل قوله
صادرا من فيه
وتلا ما قد حوى سفر له
راقه ما فيه
وقال:
إلى السعادة يصبو المرء من قدم
إن السعادة لا تسعى على قدم
وما السعادة جمع المال تكنزه
بل بذله لفقير أو لذي سقم
فانعم وأنعم به ترضي ضميرك بل
ترضي الإله وتحيي سنة الكرم
إسعاد نفسك في إسعاف من غدرت
يد الشقاء به من أسرة الأمم
الوفاق بين الموتى
لله سكان المقابر
هل شيدوا منها المنابر
أم تلك أرواح علت
ها واعظات كل زائر
كم من عظات صامتا
ت هاجت الدمع المكابر
بل أعجزت سحبان وا
ئل أن يكون لها مناظر
فحياة كل منهم
مثل من الأمثال سائر
هذا قضى لم يقض من
خل مناه وذاك حائر
في أمر أعداء الحيا
ة وقد تصافوا في المقابر
وكبير قوم قد ثوى
بجوار صعلوك مجاور
فاعجب لأجداث حوت
ضدين من شاك وشاكر
أدت بمختلفي الطبا
ع إلى الوفاق بفعل قادر
تجارب الحياة
قد بلغت السبعين إلا قليلا
لم أصادف خلالها لي خليلا
غير ذي حاجة فإن نالها ولى
وأضحى لقاؤه مستحيلا
وإذا لم ينل مناه فأيقن
أن ذاك الخليل أمسى عذولا
لم أرى والدا وقد أسدى نصحا
لبنيه فنال منهم قبولا
أيخال الفتى أباه إذا ما
فاته الركب ضل عنه السبيلا
ذاك جيل مضى وذا جي
ل سيمضي والجيل يتلو الجيلا
إنما خبرة الحياة لعمري
خير درس يحتاج وقتا طويلا •••
إن نصحت المقامر اعتبر النص
ح وربي تدخلا وفضولا
أو أشرت على البخيل ببذل
كان في رده عليك بخيلا
حرم الأغنياء جنات عدن
هل قرأت القرآن والإنجيلا
فإذا قدموا زكاة عن الما
ل استطاعوا إلى الجنان دخولا
إن من ينصح المضل يعادي
ه وما كان نصحه مقبولا
فإذا جابه الحياة أفادت
ه تجاريبها فصاح ذهولا
يأبى من بقوله رام نصحي
ليتني ما منعته أن يقولا •••
ودع الشيب ما مضى من شباب
ليس بعد الوداع إلا الرحيلا
وتولى صحبي وهم في انتظاري
لن يطول انتظارهم لن يطولا
إنما اليوم ليلة ونهار
فإذا ما تعاقبا صار جيلا
وغريب أني غدوت غريبا
بعد أن غادر الخليل الخليلا
لم يعد لي إلا القليل من الصح
ب وما كان قبل ذاك قليلا
في غد لاحق بهم وسبيلي
لرضاه أن لا أضل السبيلا
فلسطين
فلسطين لم يدروا وقد ظلموك
بأن الأسود الأكرمين بنوك
بنو الشرق إخوان وإن لم يكن لهم
سلاح سوى أرواحهم لفدوك
دعوت فلبوا تاركين ديارهم
وقد هاجهم داعي الوفا فأتوك
أتوا مهبط الوحي الكريم وقد حموا
أعز بلاد الله حين حموك
وما مجلس الأمن الذي ضل إذ قضى
بظلم سوى رمح به طعنوك
يقرر ما يرضي القوي ويغضب ال
ضعيف ولم يأبه لبطش ذويك
Unknown page