أهدت من مخلقها وهي غادية رائحة، وكم حنت إليها الجوارح وهي أدام الله اطلاقها غير جارحة، وكم أدارت من كؤوس السجع ما هو أرق من قهوة الانشا، وأبهج على زهر المنثور من صبيح الأعشا، وكم عامت بحور الفضا ولم تحفل بموج الجبال، وكم جاءت ببشارة وخضبت الكف ورمت من تلك الأنملة قلامة الهلال، وكم زاحمت النجوم بالمناكب حتى ظفرت بكف الخضيب، وانحدرت كأنها دمعة سقطت على خد الشفق لأمر مريب، وكم لمع في أصيل الشمس خضاب كفها الوضاح، فصارت بسموها وفرط البهجة كمشكاة فيها مصباح، والله تعالى يديم بأفنان أبوابه العالية ألحان السواجع، ولا برح تغريدها مطربا بين البادي والراجع، انتهى.
وذكر ضياء الدين أبو الفتح نصر الله المعروف بابن الأثير الجزري في كتابه المسمى بالوشي المرقوم في حل المنظوم قال حدثني الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني بمدينة دمشق سنة ٥٨٨ ثمان وثمانين وخمسمائة وكان إذ ذاك كاتب الدولة الصلاحية أن فن الانشاء لا تخلو منه رأس مكانا أو بيانا وكل من أنشأ أقام لسلطانه بانشائه سلطانا وكان من العادة أن كلا من أرباب البيوت إذا نشأ له ولد أحضره إلى ديوان المكاتبات ليتعلم فن الكتابة ويتدرب ويسمع فأرسلني والدي وكان إذ ذاك قاضيا بثغر عسقلان إلى الديار المصرية في أيام الحافظ العبيدي وهو أحد خلفائها فدخلت يدون المكاتبات وكان الذي يرأس به في تلك الأيام وهو صاحب الإنشاء