فيما يفنى إليه في طهارة النفس
الذي تطهر به النفس حتى تترشح لخلافة الله تعالى، وتستحق به ثوابه هو العلم
والعبادات الموظفة التي هي سبب الحياة الأخروية، كما أن الذي به يطهر البدن هو الماء
الذي هو سبب الحياة الدنيوية، ولذلك أسماها (اللَّه تعالى) الحياة، وسمى ما أنزل من كتابه الماء، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)
فسمَّى العلم والعبادة حياة من حيث إن النفس متى فقدتهما هلكت هلاك
الأبد، كما قال في صفة الماء: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (٣٠)
وقال تعالى: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا)
قال ابن عباس ﵂: عنى بالماء القرآن، إذ كان به طهارة النفس، وبالأودية القلوب احتملته بحسب ما وسعته.
قال بعض العلماء في قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (٤٨)
وفي قوله: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ)،: إنه عنى به القرآن، لقوله: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) .
وأجدر بصحة قوله تعالى، فإن الماء المنزل من السماء المختص بالطهارة الذي لا يسد غيره من المياه مسدَّه هو هذا الماء، أعني كلام رب العزة، فأما المختص بطهارة البدن فقد يسد غيره مسدَّه في الطهارة، لأن الذي ينبع من الأرض يعمل عمله.
والذي يلزم تطهيره من النفس هو القوى الثلاث: قوة الفكر بتهذييها حتى تحصل الحكمة والعلم، وقوة الشهوة بقمعها حتى تحصل العفة والجود، وقوة الحمية بإسلاسها حتى تنقاد للعقل فتحصل الشجاعة والحلم، ويتولد من اجتماع ذلك العدالة.
فجميع الرذائل تنبعث من فساد هذه القوى الثلاث: أما فساد الفكرة فيتولد منه
الجربزة والبله، وأما فساد القوة الشهوية فيتولد منه الشره أو خمود الشهوة، وأما فساد الحمية فيتولد منه التهور أو الجبن، ومن محصول هذه الأشياء أو حصول
1 / 88