191

Al-Dhakhīra fī maḥāsin ahl al-Jazīra

الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة

Editor

إحسان عباس

Publisher

الدار العربية للكتاب

Publisher Location

ليبيا - تونس

إثر إبلال، وعند نقوه من اعتلال، فسألني عن الحال، وعما شغل البال، فلم يكن جوابي غير النشيج والعجيج، وسوى العويل والضجيج؛ ولقي المظفر على حينه، وأدى إليه ما شاهد مني، فوجه عني، فلما صرت بين يديه، أمر بي فألبست ثياب الحرير، وضمخت بنفاح العبير، وحملت على فرس بسرجه ولجامه، ينهل من أعطافه ماء جمامه، وأتبع ذلك ألف دنيار في طبق، كأنها عيون النرجس الصفر الحدق، وعقد لي على الشرطة، وكانت لسني أرفع خطة، فانصرفت وأنا أنظر عطفي عن شوس، وقد ضاق صدري على أبي عن سعة نفس.
ومن مواتي بالناصر أبيه - برد الله مضجعه، ونعم مهجعه - أني صرت بين يدي المنصور، في يوم مطير، وأنا ابن خمس، أذكر ذلك ذكري لما كان بالأمس، وكان من إكرامه لي، ولطيف اهتمامه بي، ما يطول به الكتاب، ولا يحتمله الخطاب؛ وعينه ومحضه، وصريحه وزبده: أنه وهبني يومًا تفاحةً كانت بين يديه كبيرةً، ورآني أنظر إليها نظر الكلف، وأتأملها تأمل الشره، فأمرني بالقبض عليها، والعض فيها، فضاق فمي عن أن أحيط بجزء من أجزاء كرتها، وصغرت كفي عن أن تقبض إلا بمخنق من مخانق أنحائها، فجعل يقطع لي بفمه، ويطعمني على حكمه؛ ودعا الناصر، ومعه فتى سمعتهم يكنونه أبا شاكر، فقال له: احمله إلى أمك، وارفق به في أمك؛ فأخذا بيدي أمامه، وابتدار يسيران بي قدامه، وأنا لا أسمح في القياد لشدة ذلك الوابل، وتتابع قطر ذلك الهاطل، فصاح بهما:

1 / 195