العلماء، ليحوز قصب السبق ويفوز بقدح ابن مقبل، ويأخذ بكظم دعبل، ويصير شجىً في حلق أبي العميثل: فإذا أدرك تلك البغية، وجاءته بعد المنية، دفن علمه معه، ومات ذكره، وانقطع خبره. ومن قدمنا ذكره من علماء الأمصار احتالوا لبقاء ذكرهم، فألفوا دواوين يبقى لهم ذكر يتجدد طول الأبد.
فإن قلت: إنه كان ذلك من علمائكم، وألفوا كتبًا لكنها لم تصل إلينا، فهذه دعوى لم يصحبها تحقيق، لأنه ليس بيننا وبينكم إلا روحة راكب، أو دلجة قارب، لو نفث ببلدكم مصدور، لأسمع ببلدنا من في القبور، فضلًا عمن في الدور والقصور، وتلقوا قوله بالقبول، كما تلقوا ديوان ابن عبد ربه منكم الذي سماه ب - " العقد ". على أنه يلحقه فيه بعض اللوم، إذ لم يجعل فضائل بلده، واسطة عقده، ومناقب ملوكه يتيمة سلكه، لكنه أكثر وطول، وأخطأ المفصل، وأطال الهز بسيف غير مقصل، وقعد به ما قعد بأصحابه من ترك ما يعنيهم، وإغفال ما