كيف السبيلُ إلى الغِنى ... والبُخْلُ في الناسِ فِطْنَهْ
وأكثر من يتسخّى ويجود فإنما يجود رغبًا أو رهبًا - رغبًا في عاجل الجزاء، كملقي الحب للطير ليصيد به لا لينفعه
ومَنْ يَظَّنُّ نَثْرَ الحَبِّ جُودًا ... ويَنْصِبُ تحْتَ ما نَثَرَ الشِّباكا
ورهبًا من عابٍ يلتصق به أو مكروهٍ يصيبه:
مِثْلُ الحِمارِ المُوَقَّعِ الظّهْر لا ... يُعطيك شيئًا إلا إذا رَهِبا
وهناك صِنفٌ من الناس يعطي ويمنع لا بخلًا ولا كرمًا، وإنما يكون ذلك تهورًا واندفاعًا منه مع نزوة من نزوات النفوس، كما قال الأديب أبو بكر الخوارزمي في الوزير الصاحب بن عباد:
لا تَحْمَدنَّ ابنَ عبَّادٍ وإنْ هَطَلتْ ... يداهُ بالجُودِ حتَّى أخْجلَ الدِّيَمَا
فإنّها خَطَراتٌ مِن وَساوِسِه ... يُعْطِي ويمنعُ لا بُخْلًا ولا كَرما
وقل من الناس من يجود استجابةً لفطرته، ولداعي الضّمير، كما يقولون: فليُلْحظ هذا، وليُلْحظ كذلك أنّ البخل رذيلةٌ تستتبع رذائل، وناهيك بالجبن رذيلةً، هي ألزم الرذائل للبخل: كما أن الجود فضيلةٌ تستتبع فضائلَ، وحسبك بالشجاعة فضيلةً هي أخص الفضائل بالجود: