Dhahab Masbuk
الذهب المسبوك في وعظ الملوك
Genres
رأيت هارون الرشيد بمكة وهو متكئ على الفضل بن الربيع ورجل آخر يطوف بالبيت فقام إليه محمد بن أوس الهلالي وكان سفيان بن عيينة له مكرما ومبجلا ومعظما وكان الناس يقولون إنه لم يبق من الصوفية بالحجاز أحد أفضل منه فقام للرشيد واعترضه عند الحجر فقال: يا أمير المؤمنين استمع كلامي فإنك إن سمعته حقا قبلته وإن سمعته باطلا فلا تعبأ به فوقف. فقال: يا من غذي في نعيم وتردد في ملك سليم إن خفت العذاب الأليم وأحببت البقاء في سرور مقيم فلا تسمعن ممن أنت بينهما ولا تغترن بشيء من قولهما فإن الله عز وجل يخلو بك دونهما فالموت يصل إليك على الطوع والكره منهما فلا تقتصدن بالذليل ولا تتكثرن بالقليل ولا تعتصم بغير دافع ولا تطمئن إلى غير مانع لا يمنع ولا يدفع عنك فإنك بعين الله وبحضرة بيته الذي جعله مثابة للزائر ومنحجرا للفاجر فانتفض الرشيد وجلس وخلا يديه عنهما وأومأ أن خذوا الرجل، فأخذ حتى قضى طوافه وصلى، ورجع إلى المنزل الذي به نزل، ودعا بالرجل فأدخل عليه شيخ جليل، فقال من أين أنت؟ قال: من مكة. قال وما اسمك؟ قال: محمد قال ابن من؟ قال: ابن أوس. قال: من قبيلتك؟ قال: بنو هلال، قال: قبيلة مشهورة، فما حملك أن كلمتني بالذي كلمتني؟ قال: إشفاقا عليك. إذ أنضيت الركاب وأتعبت الرجال وأنفقت الأموال في أمور الله عز وجل أعلم بها، حتى إذا صرت إلى غاية الطالب وموضع ترجو فيه الرحمة اعتمدت على ظالمين طاغيين، قد جبلا على الغشم، ونشئا على الظلم، وقد قال الله تعالى: {وما كنت متخذ المظلين عضدا}
Page 217