Bughyat al-Īḍāḥ li-Talkhīṣ al-Miftāḥ fī ʿUlūm al-Balāgha
بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
Publisher
مكتبة الآداب
Edition
السابعة عشر
Genres
لفظ يفيد تقوية ما يفيده لفظ آخر، وما نحن فيه ليس كذلك، ولئن سلّمنا أنه يسمى تأكيدا١ كقولنا: "لم يقم إنسان" إذا كان مفيدا للنفي عن كل فرد؛ كان مفيدا للنفي عن جملة الأفراد لا محالة؛ فيكون "كل" في: "لم يقم كل إنسان" إذا جُعل مفيدا للنفي عن جملة الأفراد تأكيدا لا تأسيسا، كما قال في: "كل إنسان لم يقم"؛ فلا يلزم من جعله للنفي عن كل فرد٢ ترجيح التأكيد على التأسيس٣.
ثم جعله قولنا: "لم يقم إنسان" سالبة مهملة في قوة سالبة كلية -مع القول بعموم موضوعها لوروده نكرة في سياق النفي- خطأ؛ لأن النكرة في سياق النفي إذا كانت للعموم كانت القضية التي جعلت هي موضوعا لها سالبة كلية، فكيف تكون سالبة مهملة٤؟! ولو قال: "لو لم يكن الكلام المشتمل على كلمة "كل" مفيدا لخلاف ما يفيده الخالي عنها؛ لم يكن في الإتيان بها فائدة" لثبت مطلوبه في الصورة الثانية دون الأولى؛ لجواز أن يقال: إن فائدته فيها الدلالة على نفي الحكم عن جملة الأفراد بالمطابقة٥.
واعلم أن ما ذكره هذا القائل من كون "كل" في النفي مفيدة للعموم تارة
١ بألا يراد التأكيد الاصطلاحي، وإنما يراد به أن "كل" أفادت معنى كان مستفادا قبلها، ويقصد الخطيب أنه إذا سُلِّم هذا صح توجيهه في الصورة الأولى دون الثانية.
٢ أي: لا يلزم من جعل: "لم يقم كل إنسان" لعموم السلب مثل: "لم يقم كل إنسان".
٣ إذ لا تأسيس مع هذا أصلا، وإنما يلزم ترجيح أحد التأكيدين على الآخر بلا مرجِّح، وهو باطل. ويكون هذا هو التوجيه الصحيح في الصورة الثانية، لا ما ذكره من لزوم ترجيح التأكيد على التأسيس.
٤ أجيب عن هذا بأنه جرى على اصطلاح علم المنطق؛ لأن هذه القضية خالية من سور السلب الكلي، وهو "لا شيء" ونحوه، فتكون مهملة لا سالبة كلية.
٥ لأن قولنا: "إنسان لم يقم" يدل بالمطابقة على نفي الحكم عن بعض الأفراد، ولا يحتمل المجموع إلا بدلالة الالتزام، أما: "كل إنسان لم يقم" فإنه إذا جُعل لنفي الحكم عن المجموع تكون دلالته عليه بالمطابقة.
1 / 127