Defending the Sunnah - Al-Madinah University (Master's)
الدفاع عن السنة - جامعة المدينة (ماجستير)
Publisher
جامعة المدينة العالمية
Genres
-[الدفاع عن السنة]-
كود المادة: GUHD٥٣٠٣
المرحلة: ماجستير
المؤلف: مناهج جامعة المدينة العالمية
الناشر: جامعة المدينة العالمية
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Unknown page
الدرس: ١ السنة عند أهل الاختصاص
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الأول
(السنة عند أهل الاختصاص)
معنى " السنة " و"الحديث " في اللغة والاصطلاح
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وأحبابه وأصحابه، وأزواجه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
فنبدأ -بتوفيق من الله- بتعريف موجز عن "السنة" في اللغة وفي الاصطلاح، ونستعرض معانيها عند أهل التخصصات المختلفة؛ تمهيدا للدخول في مفردات المنهج بعد ذلك -إن شاء الله.
معنى "السنة" في اللغة:
يقول صاحب (لسان العرب): وسنة الله: أحكامه، وأمره، ونهيه. وسنها الله للناس: بينها. وسنة الله سنة أي: بيَّن طريقًا قويمًا؛ قال تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ﴾ (الأحزاب: ٣٨). والسنة: السيرة، حسنة كانت أو قبيحة. قال خالد بن عتبة الهزيلي:
فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها
فأول راض سنة من يسيرها
وفي التنزيل العزيز: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾ (الكهف: ٥٥). وسننتها سنًّا، واست ن نتها أي: سرتها. وسننت لكم سنة أي: فاتبعوها، وفي الحديث الشريف: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزراهم شيء».
1 / 9
فأول معنى للسنة هي: الطريقة، وفي (الصحاح) للجوهري: السنن أو السَّنن: الطريقة، يقال: استقام فلان على سنن فلان، ويقال: امض على سننك وسنتك أي: على وجهك. والسنة بمعنى السيرة، هذا كلام الجوهري، وسبق كلام صاحب اللسان، وأيضًا نفس الكلام في (القاموس المحيط)، وبالتالي نستطيع أن نقول: أن السنة في اللغة تأتي بمعنى الطريقة، مثل: قوله ﷾: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ (الأحزاب: ٦٢). وقال ﷺ: «تلك سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني» هذا حديث أو جزء من حديث رواه الإمام البخاري في كتاب النكاح، باب: الترغيب في النكاح، من حديث أنس ﵁ في قصة: جاء ثلاثة رهط إلى النبي ﷺ، وفي النهاية قال لهم النبي ﷺ: «تلك سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني» أي: هذه طريقتي، فمن رغب عن طريقتي فليس مني.
أيضًا سنة الله: هذا منهج الله، وطريقة الله في الذين خلوا من قبل، ولن يغير الله منهجه الذي كان سائدًا وحاكمًا للسابقين من الأمم.
إذًا، تأتي السنة بمعنى السيرة، وتأتي بمعنى الطريقة، والمعنيان قريبان من بعضها ليس بعيدين تماما، إنما هما قريبان، صاحب اللسان يقول: وكل من ابتدأ أمرًا عمل به قوم بعده، قيل: هو الذي سنه، فكأنها تطلق على أول الشيء، ويقال أيضًا السنة في اللغة بمعنى: اللعب. في حديث رواه البخاري في كتاب الجهاد من قول أبي هرير ة ﵁ بعد أن ذكر الحديث: «الخيل لثلاثة» قال: إن فرس المجاهد ليستن في طوله، فيكتب له حسنات. يستن يعني: يلعب ويلهو ويمرح، يعني: معنى الجملة: أن الفرس الذي أعده المجاهد للجهاد به في سبيل الله كل أحواله تصبح في ميزان حسناته حتى في الأوقات
1 / 10
التي يلهو فيها الفرس، ويلعب، ويمرح، ويجري هنا وهناك، ويعدو نشاطًا وفرحًا، وهمة. هذه أيضًا مكتوبة في ميزان حسنات صاحبه ما دام قد أعده للجهاد.
السنة في المعنى الاصطلاحي:
السنة لها معان متعددة عند أهل كل مصطلح، أو عند أهل كل تخصص من تخصصات العلم، فالسنة مثلًا عند الفقهاء -ونحن نعلم أن الفقهاء معنيون ببيان ما يجب على المكلف، وما يحرم عليه، وما يستحب في حقه، وما يكره، وما هو مباح له، والتي يعبر عنها بالأحكام التكليفية الخمسة.
عندنا الواجب، وهو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه، وعندما أمور شرعية مطلوبة، لكنها قد لاتصل إلى درجة الوجوب في طلبها يعني: مطلوبة. ويستحب للمسلم أن يأتي بها لكنها لم تصل إلى درجة الوجوب. فاصطلح أهل الفقه على تسميتها بالسنة، فإذا كان الواجب هو ما يثاب فاعله، ويعاقب تاركه؛ لأنه حتم عليه أن يفعله، فإن السنة هي ما يثاب فاعلها، ولا يعاقب تاركها. يعني: هي لا تصل إلى درجة الوجوب الذي إذا تركه صاحبه بدون عذر فهو آثم. فهي عند الفقهاء أقل إلزامًا من الفرض.
أما علماء الأصول: فإن بحثهم يتجه إلى مصادر الشريعة، واستمداد الأدلة الشرعية من النصوص، واستنباط الأحكام منها. ومن هنا، كان اهتمامهم بالسنة؛ لأنها المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله تعالى. فهي مصدر من مصادر التشريع عندهم، المصدر الأول: هو كتاب الله تعالى. المصدر الثاني: هو السنة المطهرة.
1 / 11
السنة عند أهل الأصول: ما أضيف إلى النبي ﷺ من قول، أو فعل، أو تقرير، مما يصلح أن يكون دليلًا لحكم شرعي.
وننتبه إلى أهمية هذا القيد الأخير، مما يصلح أن يكون دليلًا لحكم شرعي. السنة: هي ما جاءنا عن النبي ﷺ من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلقية، أو خُلقية .. إلخ.
هل يعتبر من ذلك الصفات الخلقية والخلقية عند أهل الأصول؟ نحن قلنا: إن أهل الأصول معنيون باستمداد الأدلة من النصوص، فهم يريدون من السنة النصوص التي يمكن أن تستنبط منها أدلة على الأحكام الشرعية. أما إذا كان النص يصف مثلًا خلقا للنبي ﷺ أو مثلًا يحث على أمر فيه من الفضائل، فقد لا يكون في هذه الحالة دليلًا على حكم شرعي، وبالتالي لا يصبح جزءًا من السنة عند أهل الأصول.
فإذا كان أهل الأصول قد اصطلحوا على أن السنة هي ما أضيف إلى النبي ﷺ من قول، أو فعل، أو تقرير مما يصلح أن يكون دليلًا للحكم الشرعيّ فهم لا ينكرون بقية التعريف الذي اصطلح عليه أهل الحديث، إنما فقط اقتصروا من السنة على الجزء الذي يعنيهم في تخصصهم، وهو ما أضيف إلى النبي ﷺ من قول، أو فعل، أو تقرير؛ لأن هذه الأمور الثلاثة في نظرهم هي الأمور التي من الممكن أن يستمد منها الدليل على الحكم الشرعي.
أيضًا هناك استعمالات لكلمة السنة تفهم في سياقها، مثلًا: قد تطلق السنة، ويراد بها الجانب العملي الذي نقل لنا عن رسول الله ﷺ وعن صحابته الكرام.
1 / 12
أما الحديث: فهو الأخبار التي نقلت لنا عن النبي ﷺ. كأن السنة هي الجانب العملي، والحديث هو الإخبار بما جاءنا عن النبي ﷺ، فمثلًا: من الممكن أن تقول: من السنة صيام ثلاثة أيام من كل شهر، من السنة أن يستاك الإنسان عند القيام من نومه، وعند الوضوء، وعند الصلاة، وهكذا السنة في هذه الحالة مقصود بها: الجانب العملي من الإسلام، وقد توضع السنة في مقابلة البدعة، فيقال: هذا من السنة، وهذا من البدعة، والسنة في هذه الحالة معناها: أنها الأمر المتوافق مع أدلة الشرع المستنبطة من القرآن ومن السنة، فهي ليست مقصورة في هذه الحالة على الحديث النبوي، ولا يقصد بها النصوص النبوية فقط، وإنما يقصد بها: الحكم الشرعي المستمد من خلال النصوص الشرعية الواردة في المسألة، سواء من أدلة القرآن الكريم، أو من أدلة السنة المطهرة. فيقال: هذا من السنة، ويقال: هذا من البدعة، فمثلًا: نقول من السنة قص الأظافر، ومن البدعة تركها، أو ترك بعض الأصابع. البدعة في هذه الحالة: هي المخالف لمنهج الشرع، والسنة في هذا السياق: هي ما وافق الشرع المأخوذ من كتاب الله ﵎ ومن سنة نبيه ﷺ.
ولذلك؛ حين يقول النبي ﷺ: «عليكم بستني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» في الحديث الذي رواه الترمذي في كتاب العلم، باب: ما جاء في الأخذ بالسنة، كجزء من حديث طويل نصه من حديث العرباض بن سارية ﵁ قال: «صلى بنا النبي ﷺ الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال ﷺ: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيًا -أي وإن تأمر عليكم عبد حبشي- فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا» ما هي العصمة من هذا الاختلاف؟
1 / 13
يقول النبي ﷺ: «فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم محدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» هنا السنة وضعت في مقابلة محدثات الأمور، أي: البدع. ونبه النبي ﷺ أن كل محدثة بدعة، وأن كل بدعة ضلالة، فالسنة في هذا السياق هي الموافق لسلوك النبي ﷺ، ولسلوك الخلفاء الراشدين المهديين من بعده ﵃ أجمعين-، ولذلك نستطيع في ضوء ذلك أن فهم بعض أقوال أهل العلم، مثل: قول عبد الرحمن بن مهدي -رحمه الله تعالى- وهو واحد من أفذاذ علم الحديث ورجاله، ومن كبار العلماء بالسنة، حينما سئل عن مالك بن أنس، والأوزاعي، وسفيان بن عيينة فقال: الأوزاعي إمام في السنة، وليس بإمام في الحديث، وسفيان إمام في الحديث، وليس بإمام في السنة، ومالك إمام فيهما. وإجابة عبد الرحمن بن مهدي -رحمه الله تعالى- في مثل هذا الاستعمال، إنما يراد بها الجانب العملي في الإسلام.
أما الحديث: فهو الاشتغال بما نقل لنا عن رسول الله ﷺ من أقواله، وأفعاله، وتقريراته. ولذلك في هذا المعنى يقول خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز ﵁: سن رسول الله ﷺ، وولاة الأمور بعده سننا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، من عمل بها فهو مهتد، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين، إلى آخر ما قال -رحمه الله تعالى ورضي عنه-.
فهذه السياقات تبين أن السنة عند أهل الحديث هي: كل ما نقل عن النبي ﷺ، أو كل ما جاءنا عن النبي ﷺ، أو كل ما صدر عن النبي ﷺ من قول، أو فعل، أو إقرار، أو صفة خَلقية، أو خلقية، حتى الحركات والسكنات في اليقظة، وفي المنام قبل البعثة أو بعدها.
1 / 14
الجوانب التي تشملها السنة من كل الوجوه:
ما جاءنا عن النبي ﷺ من قول نسميها: السنة القولية، ونقصد بها: ما قالها النبي ﷺ بلسانه من غير أن يكون هذا القول مقترنًا بفعل منه ﷺ. هذه السنة القولية قد تتضمن فعلًا، لكنه حين قالها لم يفعل، فهي سنة قولية، حتى وإن تضمنت الأمر للأمة بفعل، مثلًا: حين يقول النبي ﷺ: عودوا المريض هو يأمرنا هنا بفعل بزيارة المريض، حين يقول: فكوا العاني، أي: فكوا الأسير، هذا أمر بفعل، أي: علينا أن نعمل على فكاك الأسير بكل الطرق الممكنة، لكنها سنة قولية؛ لأنه ﷺ لم يقترن قوله بفعل منه حين قال.
أما السنة الفعلية: فهي التي كان فيها فعل. السنة الفعلية فيها عمل، فيها فعل من النبي ﷺ، وقد يكون مع هذا الفعل قول، وقد لا يكون هناك قول مع هذا الفعل، بمعنى: أن الرواية التي تردنا قد تقتصر على الفعل فقط يعني: على حكاية فعل النبي ﷺ، فهي سنة عملية، وقد يقترن مع القول فعل، عندي مثال للفعل الذي لم يقترن بقول، فمثلًا: أمنا عائشة ﵂ تقول: كان النبي ﷺ يصلي العصر، والشمس لم تخرج من حجرتها، يعني: والشمس مرتفعة، وهذا رواه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب مواقيت الصلاة، باب: وقت العصر.
هنا حكاية لفعل النبي ﷺ وليس معه قول، وأيضًا مثال آخر: ما قاله أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- حكاية عن صفة صلاته ﷺ، فيقول: كان النبي ﷺ يوجز الصلاة، ويكملها يعني: صلاة النبي ﷺ كاملة وتامة، وفي غير إطالة مرهقة. يوجز، لكن بغير خلل، بغير نقصان يوجز الصلاة، ويكملها.
وهذا حديث رواه الإمام البخاري في كتاب الأذان، باب: من شكى إمامه إذا طول، وفي بعض النسخ أيضًا باب: الإيجاز في الصلاة وإكمالها، وأيضًا من
1 / 15
حديث عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- يقول: كان النبي ﷺ يقرأ علينا السورة فيها السجدة، فيسجد، ونسجد حتى ما يجد أحدنا موضع جبهته، يعني: لدرجة أن البعض منها قد لا يجد موضعًا لجبهته من الزحام على السجود. هذا أيضًا رواه الإمام البخاري في كتاب سجود القرآن، باب: من سجد لسجود القارئ. وكلها -كما نرى- حكاية لفعل النبي ﷺ.
أما السنة الفعلية التي اقترنت بقول، وأيضًا تسمى سنة فعلية؛ لاقترانها بفعل منه ﷺ: فقد روى البخاري -رحمه الله تعالى- عن جندب بن عبد الله البجلي، قال: «صلى النبي ﷺ يوم النحر، ثم خطب، ثم ذبح وقال: من ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله». هنا الرواية تقول صلى النبي ﷺ يوم النحر، ثم خطب، ثم ذبح. هذه حكاية لفعل النبي ﷺ، وهذا هو الجانب العملي في الحديث، ومن ذلك نضعه تحت السنة العملية، ثم بعد أن فعل النبي ﷺ ذلك، قال: من ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله.
وأيضًا في حجة الوداع النبي ﷺ قام بأداء المناسك أمام أصحابه، مثل: الطواف، مثل: السعي، مثل: الوقوف بعرفة، والرمي، والحلق، أعمال الحج، وبعد أن أداها أمام قال: «لتأخذوا عني مناسككم» وهذا أيضًا رواه الإمام مسلم في كتاب الحج، باب: يوم النحر، وباب: استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا ... الخ.
الأمثلة على هذا كثيرة على الجانب في الجانب العملي أو فعل السنة مع اقترانها بالقول أو بدون اقترانها.
1 / 16
تعريف الإقرار لغة واصطلاحًا
ثم نأتي إلى الإقرار -وهو جزء من السنة-:
الإقرار: في اللغة بمعنى الاعتراف، وبمعنى الموافقة، أقررته على كذا يعني: وافقته. أقررته أو قررته. الماضي قرر أو أقر. أقررته: وافقته، وقررته أيضًا وافقته. ﴿أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ (آل عمران: ٨١)، إذًا، الإقرار أيضًا يأتي بمعنى الاعتراف، أقر فلان بكذا يعني: اعترف بكذا، وماعز لما جاء للنبي ﷺ أقر أربع مرات بفعلته أمام النبي ﷺ، حتى إذا أقر على نفسه أربع مرات، النبي ﷺ سأله بعض الأسئلة، هذا من ناحية اللغة.
أما الإقرار عند أهل الاصطلاح، أو عند اصطلاح المحدثين: لابد أن يتضمن ثلاثة أمور لابد من تواجدها في الإقرار:
أولًا: هو من فعل الصحابي.
ثانيًا: أن يعلم به النبي ﷺ.
ثالثًا: أن يوافق عليه.
إذًا، الإقرار بداية ليس من قول النبي ﷺ، ولا من فعله، وإنما هو من قول الصحابي، أو فعله. ثانيا: النبي ﷺ علم به؛ لأنه لو لم يعلم به لا نستطيع أن
1 / 17
نتأكد أنه قد وافق عليه، فلابد أن يعلم به ولماذا اختار العلماء عبارة: يعلم به النبي ﷺ ولم يقولوا مثلًا: ورآه النبي ﷺ، أو سمع به النبي ﷺ؛ لأننا لو قلنا مثلًا: الصحابي فعل فعلًا، واشتراطنا أن يكون هذا الفعل أمام النبي ﷺ، فكأننا نضيق الإقرار. هب أنه فعل الأمر بعيدًا عن النبي ﷺ، لكنه في النهاية النبي ﷺ علم به، وهذا هو الأهم.
وثم يأتي بعد ذلك الأمر الثالث: وهو هل وافق عليه أم لم يوافق؟ يبقى الإقرار لابد أن تتوافر له الأركان الثلاثة.
قد يطرح هنا سؤال، وهو إذا كان الإقرار ليس من فعل النبي ﷺ، ولا من قوله، فكيف يعتبر من السنة؟ هو من السنة بموافقة النبي ﷺ عليه؛ لأنه من فعل الصحابي، لكن النبي ﷺ علم به، ووافق عليه، ليس شرطًا أن يوافق النبي ﷺ بالكلام، بل يكفي أن يسكت مثلًا، يسمونه: بالإقرار السكوتي، فمثلًا: بالنسبة للإقرار السكوتي: الحديث المشهور لما وجه النبي ﷺ أصحابه إلى قتال بني قريظة -وهم طائفة من اليهود- وكان ذلك بعد غزة الأحزاب وقال لهم: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة»، وسار الصحابة فأدركهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: نصلي العصر هنا، أي: في الطريق. وقال البعض الآخر: لا نصلي إلا في بني قريظة. وكل فريق فعل ما انتهى إليه اجتهاده؛ صلى البعض في الطريق، وانتظر البعض حتى وصلوا إلا ديار بني قريظة، فكانت النتيجة أن خرج العصر عن وقته. لما رفعوا الأمر إلى النبي ﷺ وافق كلًّا من الفريقين على فهمه، وعلى فعله.
هذه الموافقة لم ينقل لنا فيها كلام، وإنما ذكرت الروايات أن النبي ﷺ أقر كلا من الفريقين على فهمه الذي فهمه في نص الحديث، وبالتالي على الفعل الذي فعله بناء على هذا الفعل.
1 / 18
ورغم أن ظاهر الحديث، أو أن نص الحديث واضح في أنه لا صلاة إلى بعد الوصول إلى ديار بني قريظة إلا أن الفريق الذي صلى في الطريق صرف اللفظ عن ظاهره ليس بهواه، وإنما بما يفهمه من شرع الله، وهو أنه قد وردت أحاديث كثيرة، وآيات قرآنية تبين أن الصلاة لها أوقاتها المحددة، ولا يجوز إخراجها عن تلك الأوقات إلا لضرورة أو لعذر مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ (النساء: ١٠٣)، وغير ذلك.
وفي الحديث المتفق على صحته في كتاب الجهاد، عن البخاري وغيره، من حديث عبد الله بن مسعود ﵁: «سألت رسول الله ﷺ أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، أو الإيمان بالله. قلت: ثم أي؟ قال: الصلاة لوقتها» أي: لأول وقتها. فالفريق الذي صلى في الطريق فهم من هذه الأدلة الشرعية أن النبي ﷺ لا يقصد إخراج الوقت عن حدوده المقررة شرعًا، أو عن زمنه المقرر شرعًا، وإنما يقصد أن نسرع؛ لنصل مسرعين أو مبكرين إلى ديار بني قريظة، فصلوا في الطريق. إذًا، هم صرفوا اللفظ عن ظاهره في ضوء الأدلة الشرعية.
وأما الأمثلة الإقرار الكلامي -أي: أن النبي ﷺ أقر بالكلام- فكثير جدًّا، ونكتفي بهذا النموذج مثلًا: أن رسول الله ﷺ بعث رجلا على سرية -يعني: أمره أميرًا على سرية- وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم القراءة ب ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ (الأخلاص: ١)، يعني: يقرأ الفاتحة في الصلاة الجهرية، ويقرأ ما شاء الله تعالى له أن يقرأ من القرآن الكريم، ثم يختم قراءته بقل هو الله أحد (سورة الإخلاص). لما رجعوا ذكروا ذلك للنبي ﷺ فقال: «سلوه لأي شيء يفعل ذلك؟» فسألوه، فقال الرجل: لأنها صفة الرحمن؛ فأنا أحب أن أقرأ
1 / 19
بها. فقال رسول الله ﷺ: «أخبروه أن الله يحبه». هذا حديث رواه البخاري في كتاب التوحيد، في الباب الأول منه، ورواه مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب صلاة المسافرين، باب: فضل قراءة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ واللفظ الذي أوردناه هنا هو لفظ مسلم -رحم الله الجميع-.
إذًا، هذه أمثلة للإقرار، وأمثلته كثيرة جدًّا في السنة. أما الصفات الخلقية: مثل: ما ورد في وصفه ﷺ من حديث البراء بن عازب: كان رسول الله ﷺ أحسن الناس وجهًا، وأحسنهم خلقًا، ليس بالطويل البائن، وليس بالقصير، وهو وسط بين الطول والقصر. والبراء أيضًا سئل: أكان وجهه ﷺ مثل السيف؟ قال: لا، بل مثل القمر. يقصد: أن وجه رسول الله ﷺ مشرق منير مثل القمر، وليس لامعا فقط مثل السيف. وهذا حديث أيضًا من الأحاديث المتكررة في صفات النبي ﷺ الخلقية، رواها البخاري في كتاب المناقب، باب: صفة النبي ﷺ. وروى الإمام مسلم معظمها أيضًا في كتاب الفضائل، والألفاظ التي معنا من عند البخاري -رحمه الله تعالى- وغير ذلك كثير.
كل كتب السيرة عنيت بذكر أوصافه ﷺ، وهي من السنة؛ لأننا لابد أن نعلم ما هي الصفات الخلقية للنبي ﷺ ولكي نتأكد أنه ﷺ قد خلق على نفس الصفات التي وجدت له في الكتب السابقة. وقد ورد ذكره بخُلقه وخَلقه في الكتب السابقة؛ وأيضًا لكي نتشبه بما يمكن أن نتشبه به، وأن نقتدي به من الصفات الخلقية، مثل: هيئة اللحية، وهيئة الشعر، وهيئة المشي، وما إلى ذلك. كل هذه جوانب وإن كانت خلقية، لكننا نستطيع أن نجعلها جزءا من سلوكنا؛ اقتداء بالنبي ﷺ؛ وأيضًا لنتأكد أن الله تعالى قد خلقه على أكمل هيئة وأحسن صورة؛ ولكي ندافع عنه ﷺ إذا وصفه أحد في خلقه بما ليس فيه ﷺ.
1 / 20
كل هذه الأسباب وغيرها جعلت العلماء يعتبرون الصفات الخلقية أو الخلقية جزءا من السنة المطهرة، أما الصفات الخلقية: فهي اللباب -الخلق الحسن- مثل: الحلم، والصبر، والشجاعة، والعفة، والطهارة، والاستقامة، والتواضع، وما إلى ذلك، كل ذلك عليه أمثلة لا حصر لها من سيرة النبي ﷺ، ومن كتب السنة المطهرة.
مثلًا: حديث: «ما خير رسول الله بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله ﷺ لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله به» رواه مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب الفضائل، باب: مباعدته ﷺ للآثام والأوزار.
الأحاديث التي تتكلم عن أخلاق النبي ﷺ كثيرة جدًّا، وهي جزء هام من السنة، وما جاءنا عن النبي ﷺ من قول، أو فعل، أو إقرار، أو صفة خلقية، أو خلقية، حتى حركاته وسكناته. في الحديث المشهور: «التقوى ها هنا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم» التقوى ها هنا، وأشار إلى صدره الشريف ثلاث مرات. العلماء استنبطوا منها أن التقوى محلها القلب، وأنه يجوز للإنسان يستعمل وسائل الإيضاح؛ حتى يبرز المعنى الذي يريد توضحيه. وأيضًا: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، ومازال يكررها حتى قلنا: ليته سكت» هذا رواه البخاري ﵀ في كتاب الشهادات، باب: ما قيل في شهادة الزور، وأيضًا رواه الإمام مسلم في كتاب الإيمان، باب: بيان الكبائر وأكبرها، ومحل الشاهد فيه: أنه ﷺ كان متكئا فجلس، وما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. فجلوسه بعد
1 / 21
اتكائه ﷺ يفيدنا: أن الإنسان يغير من هيئته؛ لكي يبين أهمية الموضوع الذي يتحدث فيه.
أما الرؤى المنامية: فهي جزء من السنة، وذلك ثابت بالقرآن الكريم في قصة سيدنا إبراهيم في ذبحه لولده: ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾ (الصافات: ١٠٢)، وولده علم أن هذا وحي وأمر من الله تعالى، فقال له: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ (الصافات: ١٠٢).
وعندنا رؤى كثيرة: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا﴾ (الأنفال: ٤٣) فالله تعالى هو الذي أراه ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ﴾ (الفتح: ٢٧) فما يراه الأنبياء في نومهم هو من وحي الله تعالى لهم؛ ولذلك كل كتب السنة جعلت قسمًا منها خاصًّا بالرؤى، على اعتبار أنها جزء من السنة، عند الإمام البخاري رؤى النبي ﷺ وسماه: كتاب التعبير أي: تأويل الرؤيا، وعند الإمام مسلم سماه: كتاب الرؤيا، وموجود في كل كتب السنة؛ ليدلنا على أن الرؤيا -بالألف- أي: التي يراها النائم في نومه بالنسبة للأنبياء هي جزء من الوحي، أو بالمعنى الأدق: هي صورة من صور الوحي، فهي وحي من الله تعالى لهم؛ ولذلك هو جزء من السنة.
بقي الجزء الأخير وهو ما يتعلق بقبل البعثة أو بعدها، بعد البعثة أمر مفهوم؛ أصبح نبيًّا، وصرنا مأمورين بالاقتداء به ﷺ، أما قبل البعثة، ولم يكن بعد نبيًّا، ولم يطلب منا أن نقتدي به قبل نبوته ﷺ: فكيف تعتبر أحواله من السنة قبل البعثة؟ والحقيقة، أهل العلم جعلوا هذا الأمر جزءا من السنة؛ لأن فيه إثباتًا لصدق نبوته ﷺ، يعني: هي لست كل الأمور قبل البعثة من السنة باعتبارها هديًا نقتدي به، وإنما أحواله الكثيرة قبل البعثة تضمنت الأدلة على صدق بعثته، وعلى صدق نبوته، وعلى أنه صادق أمين فيما يخبر به عن الله ﵎.
1 / 22
والقرآن الكريم نفسه استعمل هذا المنهج في إثبات نبوته في مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ (العنكبوت: ٤٨). هو هنا يتحدث عن أميته قبل البعث، وأنت كنت أميًّا لا تقرأ ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ أي: ولو كنت كذلك لارتاب المبطلون المشككون، وقالوا: إن القرآن ليس من عند الله، ولكنه من كلام محمد ﷺ، لكنه أمي لا يقرأ ولا يكتب. وأيضًا: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾ (الضحى: ٦ - ٧) إلى آخر الآيات، وأيضا. ﴿وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ﴾ (التكوير: ٢٢)
القرآن الكريم آثر، أو عبر بلفظ الصحبة؛ ليبين للأمة، أو للخلق جميعًا، ولكفار قريش، أنكم صحبتموه مدة طويلة من الدهر قبل أن يبعث، وما جربتم عليه كذبا، ولا جربتم جنونًا، وأنتم الآن تفترون عليه بهذه الدعاوى الباطلة، فلم يقل مثلًا: وما محمد بمجنون، وإنما قال: وما صاحبكم بمجنون؛ ليبين أن هذا الاتهام الظالم ليس له أساس، وأنتم أول من يعلم الكذب في هذا الاتهام؛ لأنكم قد صحبتموه على الأقل مدة أربعين سنة قبل أن يوحى إليه ﷺ.
من أمثلة الرؤى التي هي جزء من السنة: ما روته أمنا عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ مخاطبا إياها: «أريتك في المنام مرتين -هذا في المنام- إذا رجل يحملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك. فأكشفها فإذا هي أنت، فأقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه» هذا رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة، وفي كتاب النكاح: نكاح الأبكار، وأيضًا في كتاب النظر إلى المرأة قبل التزويج، في كتاب النكاح. ورواه الإمام مسلم أيضًا في كتاب النكاح في النظر إلى المرأة.
1 / 23
إذن الملك الذي جاء على هيئة رجل يحمل أمنا عائشة في سرقة من حرير، يقول للنبي ﷺ: هذه امرأتك. فأكشفها فإذا هي أنت. وكلمة النبي ﷺ: «إن يكن هذا من عند الله يمضه» هي كلمة فيها تواضع، أو فيها تفويض الأمر لله تعالى، وإلا فإنها من عند الله. وقد أمضاه الله تعالى، وأصبحت أمنا عائشة من أزواجه ﷺ، وأصبحت واحدة من أمهات المؤمنين ﵅ جميعًا-.
أما أحواله قبل البعثة: فنحن عندنا أدلة كثيرة، ومنها: حديث أبي سفيان ﵁ وهو في كتاب بدأ الوحي عند البخاري، حينما ذهبت رسالة النبي ﷺ إلى هرقل، وسأل أبا سفيان عن النبي ﷺ، سأله عن أحوال كثيرة قبل البعثة، هل هو فيكم ذو نسب؟ هل كان من آبائه من ملك؟ هل كان يكذب؟ وأجاب أبو سفيان عن أسئلة تتعلق بالنبي ﷺ قبل بعثته، وهرقل سأل أسئلة أخرى عن أحواله بعد البعثة، وعن مضموم رسالته ... الخ. لكن محل الشاهد: الأسئلة التي سألها عن أحواله قبل البعثة، ومنها: هل هو فيكم ذو نسب؟ قال أبو سفيان: نعم، هو فينا ذو نسب. قال: وكذلك الأنبياء يبعثون في شرف أقوامهم. هل من آبائه ملك؟ قال: ليس من آبائه ملك. قال: لو كان من آبائه ملك لقلت: ربما أنه يقصد من هذه الدعوى أن يعيد ملك آبائه. هل كان يكذب؟ قال أبو سفيان: لا، لم يكن يكذب ... الخ. فهنا استنتج هرقل في نهاية الحديث أنه ﷺ صادق مأمون في كل ما أخبر به عن الله تعالى.
وصلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
1 / 24
الدرس: ٢ علاقة السنة بالقرآن الكريم
1 / 25
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني
(علاقة السنة بالقرآن الكريم)
دور السنة مع القرآن الكريم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وأحبابه وأصحابه، وأزواجه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
ف نتكلم عن مكانة أو علاقة السنة بالقرآن الكريم:
هذه السنة التي عرفناها وهي: ما جاءنا عن النبي ﷺ من قول أو فعل أو إقرار إلى آخر التعريف، ما دورها في التشريع؟ ما مكانتها، ما منزلتها؟ هل لها دور مع القرآن الكريم؟
هذا الموضوع مهم جدًّا؛ لأنه يعني يجيب على سؤال، هل من الممكن أن نكتفي بالقرآن الكريم عن السنة المطهرة؟ خصوصًا أننا بعد أن نشرح العلاقة بين القرآن الكريم، وعن دور السنة مع القرآن الكريم، وعن منزلتها في التشريع.
سنتعرض لبعض الشبهات التي تتعلق بهذا الموضوع، خصوصًا أن مادتنا هي دفاع عن السنة المطهرة، ونحن نعلم أنه توجد مدرسة، أو تحاول أن تسمي نفسها مدرسة الآن، وتسمي نفسها بالمدرسة القرآنية على زعمهم، وتزعم أنها من الممكن أن تكتفي بالقرآن الكريم، وتحاول أن تثير شبهًا حول منزلة السنة، وأن تستدل على موقفها، وأنها موافق للشرع.
نبدأ على كل ببيان دور السنة مع القرآن الكريم، نستطيع أن نقول عن هذا الموضوع يعني: نضع له عنوانًا، فنقول: علاقة السنة بالقرآن الكريم، أو إن شئنا قلنا: منزلة السنة من التشريع، أو إن شئنا قلنا: دور السنة مع القرآن الكريم، من أي عنوان من هذه العناوين نختاره، لكننا نتكلم عن مسألة هامة، كما قلنا تتعلق بمنزلة السنة، وأهميتها في حياة المسلمين، وفي دينهم، وفي ديناهم.
السنة لها أدوار مع القرآن الكريم، بادئ ذي بدئ ننطلق في هذا الأمر من المهمة، التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم لرسوله ﷺ، وهذه المهمة قد جاءت في أكثر
1 / 27
من آية، في سورة النحل ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (النحل: ٤٤)، فالله تعالى قد فوَّض رسوله ﷺ في بيان القرآن الكريم للناس؛ وذلك بنص الآية التي أشرنا إليها.
وفي سورة النحل أيضًا قبل ذلك ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (النحل: ٦٤)، أنت الذي ستبين الكتاب يا رسول الله، وأنت الذي ستبين للناس ما اختلفوا فيه، فالمهمة المجملة الموجزة للسنة، ولرسول الله ﷺ هي أنها تبين القرآن الكريم في جزء من علاقتها بالقرآن الكريم، لكن هذه إشارة موجزة.
لكننا الآن ننتقل إلى التفصيل، فأنواع العلاقة بين القرآن الكريم وبين السنة المطهرة، يمكن حصرها في ثلاثة: أن تأتي السنة موافقة لما جاء في القرآن الكريم، هذه أول علاقة بين القرآن الكريم وبين السنة المطهرة، بمعنى: أن المعنى يأتي في القرآن الكريم، ويأتي أيضًا في السنة المطهرة، فمثلًا يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: ١٠)، ويأتي النبي ﷺ، ويقول: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ولا يخذله، ولا يحقره» إلخ.
فأكد النبي ﷺ هذه الأخوة، بقوله ﷺ: «المسلم أخو المسلم»، «المسلم أخو المسلم» ما العلاقة بينه، وبين قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾؟ العلاقة علاقة توافق بمعنى: أن المعنى جاء في القرآن الكريم، ووافقته السنة المطهرة بقوله: ﷺ: «المسلم أخو المسلم» يعني: «المسلم أخو المسلم» هذا جزء من حديث طويل، رواه الإمام مسلم في كتاب البر والآداب والصلة، في باب تحريم ظلم المسلم.
1 / 28