Dawla Umawiyya Fi Sham
الدولة الأموية في الشام
Genres
39 (3-5) فتح الصين
عزم قتيبة بن مسلم بعد أن وطد نفوذه في بلاد ما وراء النهر على افتتاح الصين، فهيأ لذلك الأسباب وأرسل كتائبه الكشافة لتمهد له الطرق لاحتلال كاشغر، فتم له فتحها وسبيها سنة 96ه/714م، ثم حالت الاضطرابات الداخلية في العاصمة دمشق - وسنفصل لك ذلك - دون التوغل في الصين، فرضي ابن مسلم - بعد المفاوضة مع ملوكها - على قبول ما قدموه له من الأموال والهدايا، وكان من نتائج احتكاك الجيوش الإسلامية بجماعات الصينيين انتشار الإسلام في ربوعهم، وإني مورد لك ما يرويه الطبري بخصوص المفاوضات التي دارت بين قتيبة والصينيين، وهي كلها تؤكد لنا أن العرب لم يتقدموا في فتوحهم إلى أقاصي الصين كما يقول بعض الغلاة من المؤرخين، قال الطبري: «... وغل قتيبة حتى قرب من الصين، فكتب إليه ملك الصين أن ابعث إلينا رجالا من أشراف من معكم يخبرنا عنكم ونسائله عن دينكم، فانتخب قتيبة من عسكره اثني عشر رجلا لهم جمال وأجسام وألسن وشعور وبأس ... فكلمهم قتيبة وفاطنهم، فرأى عقولا وجمالا، فأمر لهم بعدة حسنة من السلاح والمتاع الجيد من الخز والوشي واللين من البياض والرقيق والبغال والعطر، وحملهم على خيول مطهمة تقاد معهم ودواب يركبونها، وأمرهم بقوله: فإذا دخلتم فأعلموه أني قد حلفت أن لا أنصرف حتى أطأ بلادهم وأختم ملوكهم وأجبي خراجهم، فدعا ملك الصين بصحاف من ذهب فيها تراب، وبعث بحرير وذهب وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم، ثم أجازهم فأحسن جوائزهم، فساروا فقدموا بما بعث به، فقبل قتيبة الجزية وختم الغلمة وردهم ووطئ التراب.»
40
أسباب نجاح قتيبة بن مسلم
مهما يكن من أمر هذه الرواية فإن فتوح قتيبة بن مسلم تكللت بأكاليل النجاح للأسباب الآتية:
السبب الأول: «القادة يبذلون الأموال»: كان قتيبة يبذل الأموال عن سعة لجنده فلا يبخل أبدا، ويرجع الفضل في ذلك للحجاج، فإنه لم يتأخر يوما عن إمداد المسلمين في دار الحرب بكل ما لديه من الوسائل الفعالة، ويعتقد الترك أن هذا هو السبب الأول في انتصاره عليهم، نستنتج ذلك من كلام أحد ملوكهم - المعروف برتبيل - لقومه، فقال لهم مرة: «كان الحجاج رجلا لا ينظر فيما أنفق إذا ظفر ببغيته، ولو لم يرجع إليه درهم، وأنتم لا تنفقون درهما إلا إذا طمعتم في أن يرجع إليكم مكانه عشرة.»
41
السبب الثاني: «الطلائع الكشافة تعينه حربيا»: بعث قتيبة الطلائع الكشافة من أهل البلاد العجم والترك ممن يستنصح لدرس أحوال أعدائه درسا مفصلا، فكانت تأتيه التقارير عن جغرافية الأصقاع التي سعى لفتحها مع وصف شعابها ونجادها وطرقها ومدنها وأدغالها، كما لا يتوغل المسلمون فيقعون في أغلاط يمكنهم اجتنابها، وامتحن طلائعه هذه ليعرف درجة إخلاصها له في أعمالها، فذكر الطبري أنه إذا «بعث بطليعة أمر بدوح فنقش ثم يشقه شقتين، فأعطاه شقة واحتبس شقة لئلا يمثل مثلها، ويأمره أن يدفنها في موضع يصفه له من مخاضة معروفة أو تحت شجرة معلومة أو خربة، ثم يبعث بعده من يستبريها ليعلم أصادق طليعته أم لا.»
42
السبب الثالث: «الحث على الجهاد»: اعتمد قتيبة في فتوحه على إشعال نيران الحمية الإسلامية وإيقادها، فأشار لجنده في خطبه عما يجده المجاهد في اليوم الآخر من الثواب الطيب والفوز العظيم، وما يلاقي عند ربه من العفو والرحمة والأجر، وما الجنات التي تجري تحتها الأنهار إلا مقرا للشهداء الأبرار، فكان يستنهض هممهم ويستثير عزيمتهم بمثل هذه الوعود، قال يحثهم على الجهاد: إن الله أحلكم هذا المحل ليعز دينه ويذب بكم عن الحرمات، ويزيد بكم المال استغاضة والعدو وقما، ووعد نبيه
Unknown page