ثم تركه وانصرف.
فنهضت حنة منذعرة من مقعدها وقالت: كيف تذهب إليه وتتركني وحدي؟ وما يؤمنني أن يدخل أحد إلى هذه الغرفة فينكشف حالي؟ - لا تخشي من ذاك أيتها الحبيبة؛ لأني لا أغيب عنك أكثر من ربع ساعة؛ لأني سأتظاهر بالمرض الشديد في حضرة الملك، حتى يملني أو يشفق علي فأعود في الحال، فالبثي في هذا المكان إلى أن أعود، وسأوصي الحاجب فلا يأذن لأحد بالدخول إلى هذا المكان.
ثم غادرها ومضى إلى الملك فأقام عنده زمنا وجيزا ريثما انتهى من طعامه، فتمكن بحجة المرض وبمساعدة شيكو على الإفلات منه، فرجع إلى امرأته والفرح ملء فؤاده.
أما جلالته فإنه أحيا الليلة بمنادمة شيكو، إلى أن دنا وقت الرقاد، فانصرف الجميع من حضرته، وصعد إلى سريره فأطفئت الشموع وسادت السكينة والظلمة.
ولم يمض على ذاك ساعتان حتى خرج من غرفة صاحب الجلالة صوت هائل أيقظ جميع النيام، ثم تكرر هذا الصوت فسمع الحراس أن جلالته يستغيث، فهبوا منذعرين إلى غرفته والسيوف مشهرة في أيديهم، فوجدوه ساقطا على الأرض بالقرب من سريره، وعلائم الرعب بادية في وجهه المصفر من الخوف، وعيناه شاخصتان، ويداه ترتجفان ارتجافا شديدا، وقد عقد لسانه فلم يستطع الكلام.
ولم يجسر أحد من الحراس الذين أسرعوا إليه على سؤاله.
وفيما هم على ذاك ولا أحد يعلم السبب الذي حمل جلالته على الصياح، إذ أقبلت الملكة بثياب النوم ومخائل الرعب بادية بين عينيها، فمسكت يدي زوجها المرتجفتين وأنهضته فأجلسته على كرسي وسألته عما أصابه فلم يجب، فصبرت عليه برهة إلى أن هدأ روعه فقالت له: بالله قل ما أصابك، فهل تريد أن أدعو الطبيب؟
فأجابها بصوت متقطع: كلا ، فليس جسدي المريض، بل إن نفسي هي المريضة وأنا في حاجة إلى كاهن لا إلى طبيب.
فذهل الجميع لجواب جلالته، وأخذوا يجيلون أنظارهم في جوانب الغرفة؛ علهم ينظرون ما حمله على هذا الرعب، فلم يروا شيئا.
أما الملكة فإنها أمرت في الحال أحد الحرس بالإسراع إلى الدير وإحضار رئيسه، فامتثل وانطلق عدوا.
Unknown page