Dam Wa Cadala
الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر
Genres
ومثلما كان يوجد كثير من المرضى، كان يوجد كثير من الفقراء؛ هكذا وبعد أيام قليلة استقدم دوني عاملا بالغا من العمر 45 عاما. وكان ضخما وسليما وقويا، وكانت حسابات دوني تقضي بأنه سيحتاج لنقل كمية أكبر من الدم إليه ليتمكن من رؤية الاستجابة.
بدأت التجربة بداية سيئة، حيث وجد دوني وإميري صعوبة في إخراج دم العامل من أوردته. وفي النهاية، لم يتمكنا إلا من استخراج ما لا يزيد عن 10 أوقيات. وباستخدام الطريقة نفسها التي استخدموها مع الشاب، وصلا العامل بحمل؛ لكنهما في تلك المرة أخذا الدم من الوريد الفخذي الأكبر في ساق الحمل. وظلا يحسبان، منتظرين هذه المرة حتى رأيا أنهما نقلا إلى الرجل 20 أوقية من الدم.
يبدو أن الرجل احتفظ بحس الفكاهة لديه عبر التجربة، وهو ما كان أمرا جيدا، حيث تسرب الدم لاحقا على نحو متوقع من الأنابيب المستخدمة وانتشر الدم عبر أنحاء الغرفة وغطى كل المشاركين في العملية. كما أنه من المستبعد أن يكون الحمل قد اشترك في تلك التجربة في استكانة. فرغم أنه قيد بإحكام ولم تتح أي فرصة لأن يتحرك أو أن يفعل أي شيء سوى إصدار صيحة اعتراض مكتومة، فإن ذلك لم يمنعه من إغراق المكان ببوله من وقت لآخر.
مرة أخرى، ذكر المتلقي الحرارة الشديدة التي شعر بها في ذراعه مع تدفق الدم الجديد إليه. ويصف دوني ما حدث بعدها، قائلا إن العملية عندما انتهت نصحوا العامل بالاستلقاء والراحة لكن مع شعوره بالنشاط تجاهل توجيهاتهم. وعلى العكس، قرر العامل أن يذبح الحمل معللا ذلك بأنه تعلم الجزارة في شبابه. ويبدو في الحقيقة أن العامل أحسن ذبح الحيوان وسلخ صوفه. بعدها قال إنه سيعود إلى منزله وأكد أنه سيطهو حساء مغذيا وأنه سيستلقي ويرتاح بقية اليوم.
أما دوني فقد شعر بالإحباط؛ إذ كان ذلك يعني أنه لن يتمكن من أخذ ملاحظات مستمرة على استجابة العامل لنقل الدم، لكن لم يكن أمامه خيار على أية حال. مع ذلك، ظل دوني مصرا على أن يرتاح العامل. وانصرف العامل، وذهب دوني وإميري ليحصلا على قدر من الراحة بينما عكف الخدم على تنظيف المنزل. وبعدها ذهبا إلى منزل العامل ليكتشفوا أنه لم يعد إلى المنزل قط. ولم يكتشفا ما فعل إلا عندما صادفاه في الشارع في اليوم التالي.
من الواضح أن العامل تلقى أجرا نظير خدماته، رغم أن المبلغ الذي حصل عليه ليس معروفا. وبينما كان هذا مألوفا في ذلك الوقت إلا أنه عمل مستهجن في يومنا هذا؛ إذ يعني تلقي الشخص للمال بهذه الطريقة أنه لم يعد متطوعا بل يتخذ من جسمه وسيلة لجني المال. ويمكن أن يقال عن الشخص أنه يبيع جسده؛ وهو ما يكاد يقترب من العبودية.
لم يكد العامل يغادر منزل دوني حتى صادف مجموعة من أصدقائه، ونظرا لحيازته المال الذي جناه لتوه، وسعادته بأحداث يومه، ذهب مع أصدقائه لتناول مشروب في أقرب حانة، وسرعان ما نسي كل شيء عن الذهاب للمنزل والراحة:
مع شعوره بعد الظهيرة بالنشاط (إما بسبب الدم الجديد الذي تلقاه قبل ست ساعات أو بسبب كمية النبيذ التي شربها) انكب على عمل شديد الإجهاد لجسمه بالكامل لدرجة قد تتعب فرسا؛ وقضى طيلة وقت ما بعد الظهيرة على هذا النحو.
غضب دوني عند سماعه ذلك؛ إذ عرض سلوك الرجل تجربته للخطر، والأسوأ من ذلك كما ذكر، أنه لم يتمكن من تسجيل الملاحظات اللازمة. فعلى كل حال، قد تلقى الرجل مالا نظير خدماته، وكانت مرحلة الملاحظات بقدر أهمية مرحلة نقل الدم نفسها للتجربة. هذا تذكير حي بأن إحدى مشكلات إجراء التجارب على البشر هي أنهم يميلون للنهوض والمغادرة بعد نصف التجربة. مرة أخرى: يكرس إعلان هلسنكي هذه الفكرة في الوقت الحاضر؛ وهي فكرة أن «صحة مريضي ستكون أول اعتباراتي»، ويحسب لدوني أنه اختار أن يمنح العامل حريته بدلا من أن يسعى لتقييده بينما كان يؤدي عمله.
وزعم الرجل في دفاعه عن نفسه أنه كان من المستحيل عليه أن يفكر في الراحة بينما كان مفعما بالطاقة. وأوضح أنه لم يشعر بأي ألم، وأنه أكل وشرب ونام جيدا، وأنه شعر بقوة لم تكن لديه من قبل. لقد كان متحمسا لنتائج عملية نقل الدم لدرجة أنه عرض تكرارها وقتما يريد دوني وإميري؛ مضيفا أنه سوف يتصرف هذه المرة على نحو أفضل ويستلقي كما أمره دوني.
Unknown page