49

Dam Wa Cadala

الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر

Genres

4

لقد استمد هارفي إلهامه من العالم الكبير. فمثلما تسخن الشمس مياه البحار وتبخرها، من المحتمل أن القلب يرفع حرارة الدم. وخلال جريان الدم في الشرايين، يوزع هذه الحرارة والمواد الغذائية التي يحملها؛ لذا فإنه يبرد ويحتاج إلى العودة إلى القلب لتجديد طاقته. فإن كانت هذه الدورة تحدث في العالم الكبير - في الطقس - فإنه من المنطقي افتراض إمكانية حدوثها في العالم الصغير المتمثل في الجسم. وكان هارفي يرى أن الوريد الأجوف هو «منبع الدم ومخزنه ووعاؤه».

شواهد التقديرات والتكهنات

أجرى هارفي من أجل إثبات نظريته سلسلة من الحسابات التقريبية العبقرية في الوقت ذاته. فقد ذكر بناء على بعض المشاهدات أن البطينين يمكنهما استيعاب ما بين أوقية ونصف وثلاث أوقيات من الدم. ثم قدر أن القلب عندما ينقبض فإنه يخرج كمية تتراوح بين ثمن حجمه وثلثه. وفي النهاية قال إن القلب يخفق ما بين 1000 و4000 مرة في الساعة. وبمجرد توافر الأرقام كان إجراء الحسابات سهلا.

حجم البطين الأيسر × نسبة الدم الخارج = حجم الدم المتدفق في النبضة الواحدة .

حجم الدم المتدفق في النبضة الواحدة × عدد النبضات في نصف ساعة = حجم الدم المتدفق عبر القلب في نصف ساعة.

كان استنتاج هارفي أن هناك 500 أوقية (نحو 16 كيلوجراما) على الأقل من الدم تتدفق من القلب في نصف ساعة. لكن، تبين أن هذا الرقم أبعد ما يكون عن الدقة؛ إذ إن حجم الدم المتدفق عبر قلب الشخص البالغ عندما يستريح أقرب إلى 4 كيلوجرامات في الدقيقة (120 كيلوجراما في نصف ساعة). لكن حتى القيمة التي استنتجها هارفي كانت كافية ليقتنع أن الجسم لا يحتوي على كمية كافية من الدم تسمح لهذا الأخير بالتحرك في اتجاه واحد، بل لا بد أنه يمر عبر الجسم في دورة.

كان هذا في بداية القرن السابع عشر، ولم يكن المجهر قد ابتكر؛ لذا كان من المستحيل على هارفي أن يرى الشعيرات الدموية التي تربط الشرايين بالأوردة. ورغم ذلك فقد زاد يقين هارفي بأن الدم بالتأكيد يجري في دورة، وساعدت نتائج سلسلة من التجارب على تأكيد قناعاته. بدأ بثعبان، شق جلده وضغط على وريده الأجوف، فاستحال لون القلب إلى الأبيض، وانكمش، وبطؤ نبضه. كان من الواضح أن انسداد الوريد منع الدم من التدفق إلى القلب. لكن ما إن رفع إصبعه عن الوريد، حتى استعاد القلب نشاطه ولونه. وعلى العكس، عندما ضغط هارفي على الشريان الخارج من القلب رأى القلب ينتفخ ويتحول إلى اللون الأحمر القاتم. لقد منع انسداد الشريان خروج الدم من القلب. وكان هذا دليلا آخر على اتجاه تدفق الدم من القلب.

بعد ذلك أثبت هارفي أن الدم يتدفق عبر شرايين في الذراع. ولكي يفعل ذلك، عقد عصابة محكمة حول ذراعه. فتلاشى النبض في المعصم. لقد قطع تدفق الدم، وفي المقابل ظهر نبض منتظم في موقع العصابة وهو ما أرجعه هارفي إلى أن الدم «يحاول أن يتدفق عبر عقبة تعوق مساره وأن يعيد فتح مجراه».

ثم أرخى هارفي العصابة قليلا، فتدفق الدم إلى الذراع لكنه لم يخرج منه، وامتلأت الأوردة بالدم وبرزت . وكان أحد معلمي هارفي في إيطاليا - يرونيموس فابريشيوس من أكوابندنتي - قد اقترح أن العقد التي تظهر في الأوردة هي صمامات، لكنه لم يتمكن من تفسير وجودها. ذكر هارفي:

Unknown page