Dam Wa Cadala
الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر
Genres
أما ما حدث بعدئذ، فعليه ستار من الغموض، فقط كان هناك شيء واحد أكيد؛ بطلوع شمس اليوم التالي، كان دوني وإميري قد عادا إلى منزليهما، ووجدا موروا جثة هامدة.
الفصل العاشر
الجدل الكبير
بينما انتشر الحديث عن تجارب دوني على البشر وعن وفاة موروا، حاول كل من جهال أوروبا وكبار مفكريها على حد سواء أن يفهموا حقيقة ما كان يحدث. فرأى البعض أن هذا مثال على أن العلم الحديث سيعيد حتما تشكيل نظرتهم للعالم ولأنفسهم، أما البعض الآخر فقد اعتبروه نذير سوء بأن هذه النظرة الجديدة إلى الحياة محكوم عليها بنهاية كارثية. فقبلئذ آمن الناس بذلك الواقع الذي كشفت عنه الحجج المنطقية لأرسطو وأمثاله والذي حفرته الكنيسة (حرفيا) على الحجر. لقد كانت الكاتدرائيات أماكن لشهود عظمة الرب المهيبة، لا للتشكيك في التصورات الموجودة واكتشاف الجديد. لقد كانت نصبا لا يمكن تحريكها، مما جعل الناس يرون ما يشبه التصور الثابت لعالم غير متغير. وكان العلم الحديث يحطم الثوابت؛ إذ كانت الحجج المنطقية مهمة لكن ليس وحدها. فالخبرة والتجربة قد صارا الحكم الجديد على الحقيقة.
كانت النقاشات التي تثار عن أي موضوع تقريبا عبارة عن مزيج لافت من الجهل والبصيرة ومن التقبل والتحيز المسبق، ولم يكن نقل الدم استثناء. فما إن انتشر الحديث عن أن دوني عالج رجلا مختلا حتى اعتبره البعض مقاتلا باسلا ضد المرض واعتبره البعض الآخر شابا متحمسا لا ينصاع للأعلى منه شأنا. ولم يزد موت موروا نار النميمة إلا اشتعالا.
وعلى مدار عامي 1667 و1668، اشترك كثيرون في أنحاء أوروبا في الجدل الدائر في صورة خطابات وكتيبات منشورة. وانضم معظمهم إما للمعسكر المؤيد لدوني أو المعسكر المعارض له، وإن أبدى قليلون انفتاحا . وبالنظر إلى صعوبات السفر والطبيعة غير الواضحة للسياسة الأوروبية، لم يلتق كثيرون منهم ببعضهم قط، لكن هذا الكتاب على وشك أن يزيل هذه العقبة؛ فخلال عشر سنوات بعد تلك الأحداث، اشتهر دوني بعقد المؤتمرات، وقد سمحت لنفسي هنا بأن أعقد مؤتمرا لم يكن ليعقد على أرض الواقع وقتها. ورغم أن اللقاء ربما يكون من الخيال، إلا أن هذه الحجج هي ما ساقه كل من شارك في هذا الجدال. •••
تنعقد اجتماعات دوني في منزله في كيه دي أوجستين، ويجلس قرابة 20 مشاركا ومراقبا في مقاعد أنيقة بمساند مرتفعة تنتظم في شكل بيضاوي داخل الغرفة. في هذه المناسبة، جلس الفريق الإنجليزي في جانب، وفيه هنري أولدنبرج وروبرت بويل وريتشارد لوور وتوماس ويليس وصديق لإدموند كينج يحمل اسم هنري سامبسون. كان في مواجهة الفريق مجموعتان من المشاركين الفرنسيين. فقد جاء لويس دي باسريل وكلود بيرو وكلود تاردي ولويس جادروا بعقلية تتسم بالفضول الحذر، بينما أتى بيير مارتين دي لا مارتينيير وجورج لامي وحلاق وطبيب أسنان زميل وهم ينسبون نقل الدم إلى الشيطان معارضين هذا الإجراء بإصرار. ويجلس في ركن الحجرة الأقرب إلى أولدنبرج وبيرو مضيفهم جون باتيست دوني وإلى جانبه زميله بول إميري.
كان أولدنبرج هو أول المتحدثين، وقف يعدل من هندام العروات البيضاء الممتدة من ياقته على سترته السوداء؛ وكانت ثيابه تذكر على نحو خفي كل من لا يعلم بأنه قد تلقى تعليما في اللاهوت: «فلنتذكر سبب وجودنا هنا؛ إن اجتماعنا يدور حول اكتشاف تم على يد من هم أكثر عباقرة العصر ذكاء وفضولا. إنهم موهوبو الجمعيات الملكية في لندن وباريس. الوضع كالتالي: حبة الكرز أو الوردة التي لا تنضج مع بقية الفاكهة على الشجرة ثمينة، ليس لأنها تحمل أي قيمة في حد ذاتها، بل لأنها نادرة. فهذا التميز وحده يجعل منها هدية مقبولة للأمراء. وبالصورة نفسها أيها السادة، فإن تجارب العلاج بنقل الدم جديدة ومثيرة للفضول معا. آمل أن تلقي تأملاتنا الضوء على المواضع الغامضة والشاذة في الطبيعة، لكي نكتشف ربما بعض خفاياها، خاصة فيما يتعلق بالجسم البشري. لكني أرجو حيثما أمكن أن نتحاشى استخدام الألفاظ الصعبة الغامضة. نعم، توجد مواضع لا بديل فيها وتضطر إلى استخدام المصطلح المتخصص للتعبير عن أفكارك، لكني أناشد الجميع أن يبذلوا كل ما في وسعهم لشرح أي اصطلاحات. وذلك ممكن، فعلى كل حال تصير هذه الطريقة أبسط من تلك الطرق التي يطرحها العلماء الرحالة الذين يجنون المال لقاء بيع الأفكار الجديدة.
من المثير حقا أننا مجتمعون هنا لنناقش علما ربما هو الأهم بين العلوم البشرية، وهو البحث عن وسائل توفير الراحة والحفاظ على الصحة. فقد سعت إليها كل الحضارات القديمة، ورأى الكثير من الملوك في الطب قيمة أكبر من المجوهرات. ورغم أن جهل الكيميائيين الزائفين وتفاخرهم الجامح أدى تقريبا إلى ازدراء المجال في هذا العصر، فلا شك أن بعض رواد الطب مؤخرا مثل يان باتيست فان هيلمونت وباراسيلسوس تمكنوا من قهر كل الأمراض التي ظن أهل الطب الجالينوسي أنها بلا علاج.»
يدرك أولدنبرج وهو يتابع حديثه أن هذا سيكون اجتماعا ساخنا. فقد زاد ذكر فان هيلمونت وباراسيلسوس من سخونة الجلسة، حيث كان لا يزال عدد من الأطباء المجتمعين يعارضون أي شخص يتحدى مفاهيم الطب الجالينوسي. من الواضح أن الوقت قد حان لينهي أولدنبرج حديثه: «لكن عمل السيد دوني أيها الأصدقاء المثقفون قد أدى لعقد هذا الاجتماع، وأتاح لنا الفرصة لنطرح ملاحظاتنا المتعلقة بالصحة وإطالة العمر. فمن دواعي سروري أن أعلن بدء الاجتماع.
Unknown page