Dalaʾil al-nubuwwat wa maʿrifat ahwal sahib al-sariʿat
دلائل النبوة و معرفة أحوال صاحب الشريعة
Investigator
د. عبد المعطي قلعجي
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى-١٤٠٨ هـ
Publication Year
١٩٨٨ م
Publisher Location
دار الريان للتراث
سَاعَةً. فَكُنْتُ كَذَلِكَ لَا أَعْلَمُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا إِلَّا مَا أَنَا فِيهِ. حَتَّى بَنَى أَبِي بُنْيَانًا لَهُ، وَكَانَتْ لَهُ ضَيْعَةٌ فِيهَا بَعْضُ الْعَمَلِ، فَدَعَانِي فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي مَا تَرَى مِنْ بُنْيَانِي عَنْ ضَيْعَتِي هَذِهِ، وَلَا بُدَّ مِنِ اطِّلَاعِهَا، فَانْطَلِقْ إِلَيْهَا، فمرهم بكذا وكذا، ولا تحتبس عَنِّي، فَإِنَّكَ إِنِ احْتَبَسْتَ عَنِّي، شَغَلْتَنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا هَؤُلَاءِ النَّصَارَى يُصَلُّونَ. فَدَخَلْتُ أَنْظُرُ، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ حَالِهِمْ، فو الله مَا زِلْتُ جَالِسًا عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَبَعَثَ أَبِي فِي طَلَبِي فِي كل وجه حَتَّى جِئْتُهُ حِينَ أَمْسَيْتُ، وَلَمْ أَذْهَبْ إِلَى ضَيْعَتِهِ، فَقَالَ أَبِي: أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ قُلْتُ لَكَ لا تحتبس عني، فَقُلْتُ:
يَا أَبَتَاهُ! مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُقَالُ لَهُمُ: النَّصَارَى، فأعجبني صلاتهم وَدُعَاؤُهُمْ فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ كَيْفَ يَفْعَلُونَ؟
فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِمْ.
فَقُلْتُ: لَا وَاللهِ، مَا هُوَ بِخَيْرٍ مِنْ دِينِهِمْ، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ اللهَ، وَيَدْعُونَهُ وَيُصَلُّونَ لَهُ، وَنَحْنُ إِنَّمَا نَعْبُدُ نَارًا نُوقِدُهَا بِأَيْدِينَا، إِذَا تَرَكْنَاهَا مَاتَتْ فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ حَدِيدًا، وَحَبَسَنِي فِي بَيْتٍ عِنْدَهُ، فَبَعَثْتُ إِلَى النَّصَارَى، فَقُلْتُ لَهُمْ:
أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ الَّذِي أَرَاكُمْ عَلَيْهِ؟ فَقَالُوا: بِالشَّامِ. فَقُلْتُ: فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ مِنْ هُنَاكَ نَاسٌ فأذنوني. فقالوا: نَفْعَلُ. فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ نَاسٌ من تجارهم، فَبَعَثُوا إِلَيَّ أَنَّهُ قَدْ قَدِمَ عَلَيْنَا تُجَّارٌ مِنْ تُجَّارِنَا فَبَعَثْتُ إِلَيْهِمْ إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وأرادوا فأذنوني الخروج فَقَالُوا: نَفْعَلُ. فَلَمَّا قَضَوْا حَوَائِجَهَمْ وَأَرَادُوا الرَّحِيلَ، بَعَثُوا إِلَيَّ بِذَلِكَ، فَطَرَحْتُ الْحَدِيدَ الَّذِي فِي رِجْلَيَّ، وَلَحِقْتُ بِهِمْ.
فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَلَمَّا قَدِمْتُهَا سألت: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا
المقدمة / 38