وتلاقتْ مَعانيها، على الوجهِ الذي اقتضاهُ العقلُ. وكيف يُتَصَّور أنْ يُقصَد به إلى توالي في النُّطق، بعد أن ثَبَتَ أنّهُ نظْمٌ يعتبرُ فيه حالُ المنظوم بعضهُ معَ بعضٍ، وأنه نَظيرُ الصَّياغةِ والتَّحْبِير والتَّفْويفِ والنَّقشِ، ١ وكلِّ ما يُقصَد به التَّصويرُ، وبعْدَ أن كنَّا لا نَشكُّ في أنْ لا حال لِلفظةٍ معَ صاحبتها تُعْتَبر إذا أنتَ عزلْتَ دلالَتَهما جانبًا؟ وأَيُّ مساغٍ للشكَّ في أنَّ الأَلفاظَ لا تستحقُّ من حيثُ هي ألفاظٌ، أن تنظم على وجه دون وجه؟
٤٢ - وفو فرَضْنا أنْ تَنْخلِعَ مِن هذهِ الألفاظ، التي هيَ لغاتٌ، دلالَتُها٢، لَمَا كان شيءٌ منها أحق بالتقديم من شيء، ولا تصور أنْ يَجِبَ فيها تَرتيبٌ ونَظْمٌ٣.
ولو حفَّظْتَ ضبيبًا شطْرَ "كتابِ العين" أو "الجمهرة"، مِنْ غيرِ أن تُفَسِّر له شيئًا منه، وأخذْتَه بأن يَضْبِطَ صُوَرَ الألفاظِ وهيأَتَها٤، ويؤدِّيها كما يؤدِّي أصنافَ أصواتِ الطيور٥، لرأيتَهُ ولا يَخْطرُ له ببال أن من شانه أن يوخر لَفْظًا ويقدِّم آخرَ، بل كان حالُه حالَ من يرم ى الحصبى ويعد الجوز، اللهم إلا أنتسومه أنتَ أَنْ يأتيَ بها على حُروفِ المعجم ليحفظ نسق الكتاب.
_________
١ يقال: "برد مفوف"، رقيق فيه خطوط بياض على هيئة الوشي.
٢ "دلالتها" فاعل "نتخلع".
٣ في "س"، وفي نسخة بغداد وعند رشيد رضا: ولا تصور"، وفي المطبوعة: "ولا يتصور".
٤ في المطبوعة: "وهيئتها" بالإفراد.
٥ في "ج": "كما يؤدي أصوات الطيور"، وفي نسخة بغداد "كما أرجح" في هامش المخطوطة: كما يحكى أصوات الطيور".
1 / 50