والإِحاطةِ بها، وأنَّ الجهةَ التي منها يقفُ١، والسببَّ الذي به يَعْرفُ، استقراءَ كلامِ العربِ وتتبع أشعارهم والنظر فيها. وإذا قد ثَبتَ ذلك، فينبغي لنا أنْ نبتدئ في بيانِ ما أرَدْنا بيانَه، ونأخذَ في شرحه والكشف عنه.
استحسان الكلام كيف يكون:
٣٣ - وجملةُ ما أردتُ أن أبينَه لك: أنَّه لا بدَّ لكلَّ كلامٍ تستحسنُه، ولفظٍ تستجيدهُ، من أن يكونَ لاستحسانِك ذلك جهةٌ معلومةٌ وعلَّةٌ معقولةٌ وأن يكونَ لنا إِلى العبارةِ عن ذاك سبيلٌ، وعلى صحةِ ما أدِّعيناه من ذلك دليلٌ.
وهو بابٌ منَ العلمِ إذا أنتَ فتحتَه اطَّلعْتَ منه على فوائدَ جليلةٍ، ومعانٍ شريفة، ورأيتَ له أثرًا في الدين عظيمًا وفائدة جسيمة، ووجدْتَهُ سببًا إلى حَسْم كثيرٍ منَ الفساد فِيما يَعودُ إِلى التنزيِل وإصلاحِ أنواعٍ منَ الخَلل فيما يتعلقُ بالتاويل، وإن ليومنك مِن أَنْ تُغَالَطَ في دَعواك، وتدافَع عن مَغْزاك٢ ويرْبأ بك عن أن تستبينَ هُدًى ثم لا تهدي إليه٣، وتُدِلَّ بعرفانٍ ثم لا تستطيعُ أن تَدُلَّ عليه٤ وأنْ تكون عالِمًا في ظاهرِ مُقَلِّدٍ٥، ومُستبينًا في صورةِ شاكٍّ وأن يسألك السائلُ عن حُجة يَلْقى بها الخصمَ في آية من كتاب الله تعالى
_________
١ "وأن الجهة"، معطوف على قوله: "وصح أن لا غنى ... ".
٢ في "ج": عن معناك".
٣ في "س" والمطبوعة: "لا تهتدي"، والصواب ما في "ج".
٤ "أذل بعلمه أو بشجاعته مثلًا، يدل إدلالًا"، فخربه وتبجح، وتباهى، و"العرفان"، المعرفة.
٥ "وأن تكون عالمًا"، معطوفًا على قوله: "وإنه ليومنك من أن تغالط ... وأن تكون عالمًا"، وكذلك ما بعده في الأسطر الآتية: "وأن يسألك ... وأن يكون غاية ما لصاحبك".
1 / 41