الكلام في النحو:
زهدهم في النحو واحتقارهم له:
٢٣ - وأمَّا زهدُهم في النَّحو واحتقارُهم له٢، وإصغارُهم أمرَهُ، وتهاونُهم به، فصنيعُهم في ذلك أشنعُ من صَنيعهم في الذي تَقدَّم، وأَشْبَهُ بأن يكونَ صَدًّا عن كتابِ الله، وعن معرفةِ معانيه؛ ذاكَ لأَنهم لا يَجدِون بُدًّا من أنْ يعترفوا بالحاجة إليه فيه، إذا كان قد علم أن الألفاظ معلقة على مَعانيها حتى يكونَ الإعرابُ هو الذي يَفتحها، وأنَّ الأغراضَ كامنةٌ فيها حتى يكونَ هو المستخرِجَ لها، وأنه المعيارُ الذي لا يتبيَّن نقصانُ كلامٍ ورجحانُه حتى يعرضَ عليه، والمقياسُ الذي لا يُعرفُ صحيحٌ من سَقيمٍ حتى يرجع إليه، لا يُنكِرُ ذلك إلاَّ من يُنكِر حِسَّه، وإلاَّ مَنْ غالطَ في الحقائقِ نَفْسَه، وإِذا كان الأَمرُ كذلك، فليتَ شِعري ما عُذْرُ مَن تَهاونَ به وزَهِدَ فيه، ولم يَرَ أنْ يستقيه من مصبه٣، ويأخذه من معدنه، ورضى بالنَّقصِ والكمالُ لها معرضٌ، وآثرَ الغَبينةَ وهو يجد إلى الربح سبيلًا.
_________
١ في المطبوعة: "ذم الشاعر".
٢ انظر: الفقرات السالفة رقم: ٤ - ٦.
٣ في المطبوعة: ويستسقيه".
1 / 28