ولا خيرَ في حِلْم، إذا لم تَكنْ لَهُ ... بَوادِرُ تَحْمي صفْوَه أنْ يُكَدَّرا
ولا خيرَ في جَهلٍ، إذا لمْ يَكنْ لَهُ ... حَليمٌ إذا ما أَوْردَ الأمرَ أَصْدَرا
فقال ﷺ: "أَجَدْتَ، لا يَفْضُضِ اللهُ فاكَ". قال الراوي: فنظَرتُ إليه، فكأَنَّ فاهُ الْبَرَدُ المُنْهَلُّ، ما سَقطتْ له سِنٌّ ولا انفلَّت، تَرِفُّ غَروبُه١.
ومِنْ ذلك حديثُ كعبِ بنِ زهيرٍ رُويَ أنَّ كعبًا وأخاه بحيرًا خرجا إلى رسول الله ﷺ حتى بلَغَا أَبْرَقَ العزَّاف، فقال كعب لبجير: الق هذا الرجل وأنا مقيم ههنا، فانظرْ ما يقولُ. وقَدم بُجَيرٌ على رسول الله ﷺ، فعرَضَ عليه الإسلامَ فأَسْلمَ، وبلغَ ذلك كَعْبًا، فقالَ في ذلك شعرًا، فأهْدَر النبيُّ ﷺ دَمه، فكتبَ إليه بُجير يأمرُه أن يُسْلمِ ويُقْبلَ إلى النبي ﷺ ويقولُ: إنَّ مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إله إلاَّ اللهُ وأَنَّ محمدًا رسولُ الله، قَبِلَ منه رسول الله ﷺ، وأسقطَ ما كانَ قبلَ ذلك، قال: فقَدِمَ كعبٌ وأنشد النبيَّ ﷺ قصيدته المعروفة:
بانتْ سُعادُ فَقلبي اليومَ مَتْبولُ ... مُتَيَّمٌ إثْرَها، لمْ يُفْدَ، مغلولُ
وما سُعادُ غَداةَ البَيْنِ إذا رحَلَتْ ... إلاَّ أغَنُّ غَضيضُ الطَّرْفِ مَكْحولُ
تَجْلُو عوارضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابْتَسمَتْ ... كأنَّه مُنْهلٌ بالراح معلول٢
_________
١ الشعر في ديوانه النابغة الجعدي، والخبر وتخريجه في تهذيب الآثار، مسند عمر، وانظر مجمع الزوائد للهيثمي ٨: ١٢٦، و"البوادر" جمع "بادرة"، وهي ما يسبق به اللسان من الكلام عند الغضب. وقوله: "ولا انفلت" أي ولا انثلمت له سن. و"ترف غروبه" أي تبرق ثناياه، و"غروب الأسنان" هي منافع ريقها، وأطرافها وحدتها وماؤها وصفاؤها. و"البرد المنهل" والمتساقط.
٢ "المتبول" من "تلبه الحب" إذا أضناه وأفسده أو ذهب بلبه وعقله. و"المتيم"، والمذلل المعبد. و"المغلول" من وضع الغل في عنقه. وفي رواية "مكبول"، وهو المقيد بالكبل أي القيد.
1 / 22