وابتغَى الشرفَ، وطلبَ محاسنَ القولِ والفعْل، منارًا مرفوعًا، وعِلْمًا مَنصوبًا، وهاديًا مُرْشدًا، ومُعلمًا مسدِّدًا، وتجدُ فيه للنَّائي عن طَلبِ المآثر، والزّاهِدِ في اكتسابِ المحامدِ، داعيًا، ومُحرَّضًا، وباعثًا ومحضَّضًا، ومذكرًا ومعرفًا، وواعظًا ومنفقًا. فلو كنت ممن يتصف كانَ في بعضِ ذَلك ما يُغيِّرُ هذا الرأيَ منك، وما يَحْدوكَ على روايةِ الشَّعر وطَلَبه، ويَمنعُكَ أنْ تَعيبَه أو تَعيبَ به، ولكنك أَبَيْتَ إلاَّ ظنًا سبَقَ إِليكَ، وإِلاّ بادي رأيٍ عنَّ لك، فأقفلْتَ عليه قلْبَكَ، وسدَدْتَ عمَّا سِواهُ سَمْعَك، فَعيَّ الناصحُ بك١، وعَسُرَ على الصديق الخليط تنبيهك.
الأحاديث في ذم الشعر، ومدحه:
نعم، وكَيف رَويْتَ: "لأَنْ يمتلئَ جوفُ أَحدِكم قيحًا، فيَرِيَهُ، خيرٌ له من أَن يمتلئ شِعْرًا" ٢، ولهجتَ به، وترِكتَ قولَه ﷺ: "إنَّ مِن الشعر لَحِكْمةً، وإنَّ مِن البيانِ لَسِحْرا"؟ ٣ وكيف نَسِيتَ أَمرَه ﷺ بقول الشعر، ووعده
_________
١ "عي"، عجز، أصله "عيي"، فأدغم.
٢ حديث رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن وغيرهم عن أبي هريرة وعن غيره والرواية المشهورة فيه: "حتى يريه" أي يفسده وفي رواية بحذف: "حتى يريه" وفي أخرى حذف: "حتى" وقرأها بعضهم حينئذ "يريه" بالفتح، وبعضهم بالضم، ولم أر من رواه بالفاء فيريه" كما في نسخة المصنف، وفي رواية ابن عدي عن جابر: "لأن يمتلئ جوف الرجل قيحًا أو دمًا خير له من أن يمتلئ شعرًا مما هجيت به" "رشيد رضا"، قال أبو فهر: قد خرجته في تهذيب الآثار للطبري، في مسند عمر، فراجعه.
٣ الحديث مشهور رواه أصحاب الصحاح وغيرهم، ورواية المصنف ملفقة من روايتين، فقد وردت كل جملة من طريق. وأما الجملتان معًا فقد جاءنا في حديث ابن عباس عند أحمد وابن ماجه هكذا: "إن من البيان سحرًا، وإن من الشعر حكمًا" وعند ابن عساكر من حديث علي باللام، وله تتمة وهي: "وإن من العلم لجهلًا، وإن من القول عيالًا"، "رشيد".
1 / 16