مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ ففي هذه الآيات وغيرها الدليل الصريح على أن كفار قريش مقرون بتوحيد الربوبية، ولكن هذا الإقرار بهذا النوع من التوحيد لم يدخلهم في الإسلام، قال تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾ . وروى ابن جرير١٣/٧٧ عن مجاهد أنه قال: إيمانهم قولهم الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا، فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره.
ولو كان الرسول ﷺ يريد من كفار قريش الإقرار بأن الله موجود وهو الخالق الرازق المدبر.... لاستجابوا له وأذعنوا لقوله. ولكن الخطب أعظم من ذلك، فعندما قال لهم ﷺ: قولوا لا إله إلا الله- أي لا معبود بحق إلا الله- كان جوابهم كما حكى الله عنهم: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾، ولو كان الرسول ﷺ يريد منهم الإقرار بهذا النوع من التوحيد لما استحل دماءهم وأعراضهم وأموالهم؛ لأنهم مقرون بذلك مستيقنة به قلوبهم. وهذا فرعون الذي يتظاهر بإنكار الخالق ﷻ يتيقن وجود الله في قرارة قلبه كما قال له موسى ﵇: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ﴾ الآية. وقال تعالى عنه وعن قومه: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ الآية.
وهذا الأصل واضح ولله الحمد والمنة وضوح الشمس في نحر الظهيرة، قد قرره الله سبحانه في كتابه، وبينه الرسول ﷺ في سلوكه وخطابه، فلا يخفى بعد ذلك إلا على من أراد الله لهم الشقاوة والخسران.
والمقصود أن الرسل إنما بعثوا لأجل إخراج الناس من الظلمات إلى النور بعبادة الله وحده لا شريك له وترك جميع ما يعبد من دونه، وهذا هو توحيد الإلهية.
1 / 13