Dadaiyya Wa Siryaliyya Muqaddima Qasira
الدادائية والسريالية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
كان الحافز الفوري لتلك المرحلة منحوتة نحتها الفنان السويسري ألبرتو جياكوميتي، وهو المثال التقليدي الوحيد الذي دار في مدار السريالية، واستقر في باريس عام 1922. كان لعمله الفني «بدون عنوان (كرة معلقة)» عامي 1930 و1931 - وهو عبارة عن بناء غامض علقت فيه كرة من الجص داخل هيكل قفصي الشكل، وثمة شق في محيطها السفلي يكشط الحافة الحادة لهلال جصي موضوع أسفلها مباشرة - أثر مهول على الجماعة السريالية عندما نشرت صورة له في دورية «السريالية في خدمة الثورة»، وامتدح بريتون تحديدا هالتها التي تشي برغبة غير محققة.
إن موجة إنتاج الأغراض التي تبعت هذا الكشف الجماعي قد ولدت بعض أجمل أعمال السريالية البصرية، وتفوق دالي على نفسه بمجموعة فتيشية معقدة وصفها على النحو التالي:
حذاء امرأة، وضعت داخله زجاجة من الحليب، في منتصف معجون لدن شكلا ولونه أشبه بالبراز. تتكون الآلية من غمس قالب سكر رسمت عليه صورة حذاء، بغية رؤية قالب السكر، ومن ثم صورة الحذاء وهي تذوب وتتفكك في الحليب.
بعد فترة من الوقت، أنتجت الجماعة أغراضا أقل تعقيدا، لعل أشهرها «إفطار مغطى بالفراء»، وهو عبارة عن كوب وصحن مغطيين بالفرو من إنتاج الفنانة السويسرية النشأة ميريت أوبنهايم - وهي واحدة من النساء المعدودات اللائي لعبن دورا بارزا في هذه المرحلة من السريالية - وكان هذا العمل عامل الجذب الأساسي بالمعرض الرئيسي للأغراض السريالية بمعرض باريس لتشارلز راتون عام 1936. لكن هذا العمل الفني «إفطار مغطى بالفراء» صار مألوفا أكثر من اللازم. ثمة عمل مهم آخر لأوبنهايم بعنوان «ممرضتي»، ويستغل هذا العمل أيضا الأشياء المشهورة بفتيشيتها، ألا وهي الأحذية. من المثير التفكر في السبل المختلفة التي يستخدم بها دالي وأوبنهايم تلك الأشياء، مع الوضع في الاعتبار أنه على الرغم من أن علماء النفس بصفة عامة كانوا عازفين عن الإقرار بوجود الفتيشية الأنثوية، فقد كانت تجميعات أوبنهايم تبدو وكأنها تنم عن النقيض. ذكرت أوبنهايم ذات مرة أن الأحذية تستدعي لديها فكرة «الوركين المضغوطين معا في متعة»، في إقرار متأخر منها ب «الجو الحسي» الذي كان ينضح من ممرضتها في طفولتها. لعلها تسخر من قضية الفتيشية الأنثوية بأسرها هنا؛ فالفتيشية الأنثوية، إن وجدت، ترتكز على الوظيفة النفسانية للفتيشية عند للرجال، والتي من المفترض أن تكون عادة مغايرة الجنس في أساسها. لا شك أن غرض دالي يعزز هذه الفكرة، وبالتأكيد هناك ما يتجاوز التلميح إلى خيال مثلي في تعليق أوبنهايم. يستطيع المرء بسهولة أن يرى الحذاء المربوط، الذي يلعب أيضا دور ديك تبل على صحن، باعتباره يشكل شكلا من خيالات الاستعباد الجنسي من ناحية الفنانة.
شكل 3-7: ميريت أوبنهايم، «ممرضتي»، صحن معدني، حذاء، رباط، وورق، 1936.
وإذا قمنا - بالعودة إلى التناقض بين الدادائية والسريالية - بمقارنة «ممرضتي» لأوبنهايم بأحد الأعمال الفنية الجاهزة لدوشامب مثل «النافورة» (شكل
1-2 )، فسيتضح لنا أن عرض أوبنهايم السريالي يصر صراحة على محتواه النفساني، بينما ينتظر العمل الفني الجاهز الدادائي في صمت تفسيرنا له. لقد فسرت «النافورة» في واقع الأمر باعتبارها شكلا ثنائي الجنس، بانحناءاتها والفجوة الكائنة في قاعدتها؛ حيث وشت بتحول «أنثوي» لوعاء «ذكوري» من وجه آخر. ومن قبيل المفارقة، أنه على الرغم من الاعتقاد بأن الأعمال الفنية الجاهزة قابلة للاستخدام - لو لم تكن مستخدمة مؤقتا باعتبارها شكلا من أشكال «الفن» - فإن الغرض السريالي يوضح عدم جدواه كشيء ذي قيمة ممكنة. تهكم جورج باتاي، الذي كان ناقدا بارزا للنزعات الرومانسية للسريالية في العشرينيات والثلاثينيات، ذات مرة على عقم الجماليات، معلنا: «أتحدى أي عاشق للفن أن يعشق قماشا عشق الفتيشي للحذاء.» في هذا السياق، يمكن النظر إلى «ممرضتي» على اعتبار أنها تخدم تحديدا الاحتياجات الفتيشية، لا الاحتياجات الفنية.
ترسي هذه المقارنة فارقا واضحا بين الجماليات الدادائية والسريالية؛ فالأعمال الفنية الجاهزة تعمل على هدم التمايز ما بين الفن واللافن، وهي تقر ضمنا بأن الفن شيء يتم تحديثه وفق شروطه الخاصة فحسب. في المقابل، يتسق الغرض السريالي مع تقاليد الفن، مهما تبدلت تلك التقاليد، بغية الوفاء بوظيفة تجريبية جديدة.
وما من شيء يوضح الدور المحفز المتخيل للغرض السريالي بقوة أكبر من واقعة اشتهر أندريه بريتون بروايتها في روايته «عشق جنوني» (1937)؛ إذ روى بريتون كيف أن ألبرتو جياكومتي كان يواجه عثرة نفسانية واضحة فيما يتعلق بإنهاء رأس واحدة من منحوتاته، عرفت لاحقا باسم «الغرض الخفي»؛ وقد وقع اختياره هو وبريتون على واحدة من شبكات الصيد السريالية المألوفة في سوق للأغراض المستعملة بباريس، واكتشفا أنهما منجذبان بلا سبب واضح إلى نصف قناع معدني عجيب أدركا لاحقا أنه قناع مبارزة. أدرك جياكومتي لاحقا أن شكل الغرض يطرح حلا بشأن كيفية الانتهاء من رأس منحوتته. لا يتحدث بريتون هنا كثيرا عن الغرض السريالي باعتباره شيئا أقرب إلى أحد أعمال دوشامب الجاهزة، ألا وهو «الغرض المعثور عليه» الذي يتوافق بشكل غامض مع إملاءات «المصادفة الموضوعية»، بل قصده أن الرغبات الدفينة في لا وعي جياكومتي هيأته فعليا للعثور على الغرض. كان بريتون يرى الحب الرومانسي يعمل بطريقة مناظرة، لكن مهمة الغرض السريالي كانت، نوعا ما، أن يجعل من مثل هذا البحث غير ضروري، وأن يخاطب رغباتنا بشكل مباشر. ونظريا على الأقل، يعمل هذا الغرض على الانتقال بنا إلى ما وراء الجماليات بالكامل.
الفيلم
Unknown page