Daci Sama
داعي السماء: بلال بن رباح «مؤذن الرسول»
Genres
فبلغ من تعظيمه أنه كان ندا لأعظم المسلمين في حياة النبي عليه السلام وحياة الصديق والفاروق، بل كان الفاروق رضي الله عنه يقول: «أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا.» ويقصده بهذا اللقب الرفيع، واتفق يوما أن أبا سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو بن الحارث ورهطا من سادة العرب طلبوا لقاء الفاروق وطلبه معهم بلال وصهيب. فأذن لهما حتى يستمع لما يريدان ويفرغ بعدهما لعلية القوم. وغضب أبو سفيان وقال لأصحابه: لم أر كاليوم قط، يأذن لهؤلاء العبيد ويتركنا على بابه؟ وكان سهيل أحكم منه وأدنى إلى الإنصاف فقال لهم: «أيها القوم! إني والله أرى الذي في وجوهكم. إن كنتم غضابا فاغضبوا على أنفسكم. دعي القوم - إلى الإسلام - ودعيتم فأسرعوا وأبطأتم. فكيف بكم إذا دعوا يوم القيامة وتركتم!» •••
جمال هذا الأدب هو الذي يهون في سبيله الموت وسوء المعاملة والعذاب الأليم، وهو الذي يوحي العقيدة إلى النفس فترتفع بها فوق المصالح والمساومات. ولقد كان هذا أدب النبي فأحبه الأحرار وأصغوا إليه وصدقوه ... ولقد تمت أداة العقيدة حين تم الحب والإصغاء والتصديق. فما يزال بنو الإنسان على هذا الشأن إلى آخر الزمان: ليس بينهم وبين الفداء إلا قضية يحبونها وداع يصدقونه. وما يكونون يوما أحوج إلى الإيمان منهم يوم تعز عليهم القضية التي تحب والداعي الذي يصدق. فإذا بلغت بهم هذه الحاجة مداها فليس أمامهم محيص من إحدى غايات ثلاث: فناء، أو حياة كحياة الحيوان، أو إيمان يوجد حيث كان.
صفات بلال
كان بلال رجلا على سواء الفطرة.
وآية ذلك أنه كان كما ينبغي أن يكون كل رجل قوي الطبع من بني جلدته وفي مثل نشأته، يمر بالحوادث التي مر بها ويمارس التجارب التي مارسها.
وقد تقدم في صفات الموالي الأفريقيين أنهم ينقمون الإساءة على المسيء ويحفظون الحسنة لمن يحسن إليهم ويملكهم بمهابته وطيب سجاياه.
وهكذا كان بلال رضي الله عنه في مجمل صفاته: كان متصفا بأجمل صفات بني جلدته: وهي الأمانة والطاعة والولاء والصدق مع الولاء، وكانت فيه مع ذلك قسوة وعناد في موضع القسوة والعناد، ولكنه لم يكن بالمبتدئ في قسوته ولا بالمكابر في عناده. إنما كان لقسوته عذر أو سبب، وكان لعناده فضل الإصرار على الإيمان بالصواب.
قال ابن الرومي:
إذا الأرض أدت ريع ما أنت زارع
من البذر فيها فهي ناهيك من أرض
Unknown page