Daci Sama
داعي السماء: بلال بن رباح «مؤذن الرسول»
Genres
وكانوا يضربونه ويلقونه على الرمال الكاوية في وقدة الهجير ثم يضعون الحجارة على صدره وهو لا يجيبهم إلى كلمة مما يسألونه، ولا يسكت ولا يكف عن الجهر بالتوحيد. •••
هذه صورة بلال رضي الله عنه في مبدأ إسلامه وهو يتلقى العذاب ويتعرض للموت ولا يصل به الإسلام إلى الوعود - فضلا عن تحقيق الوعود - في معاملة المستضعفين من العبيد والإماء؛ لأن أحكام الإسلام في معاملة الأسرى والأرقاء على التعميم لم تكن معروفة مفصلة في ذلك الحين.
وإن آخر ظن يخطر على بال المرء إذ يرى بلالا على تلك الصورة المؤلمة، أنه يرى أمامه رجلا وازن بين سوء المعاملة في الجاهلية وحسن المعاملة في الإسلام، فاختار المعاملة الحسنة ودخل في الدين الجديد من أجلها.
لأن إسلام بلال لم يكن مخرجه من رق سادته المشركين، ولم يكن سوء معاملتهم إياه قبل الإسلام شيئا يذكر إلى جانب ذلك العذاب الأليم الذي كان يسامه بعد إسلامه، ولو كان حسن المعاملة همه من الدين الجديد لانتظر حتى يسلم سادته فيطمع عندهم في تلك المعاملة الحسنة، أو لانتظر حتى يمتنع جانب المسلمين بالعدد الكثير فيجهر بالإسلام بين مئات وألوف، ولا يعجل إلى دخول الدين الجديد بين نفر من المغلوبين المطاردين، سواء من الأحرار أو العبيد.
وأعجب شيء أن يخطر للعقل أن الإسلام قد سوى بين العبيد والأحرار فآمن به العبيد، ولا يخطر له أن هذه التسوية تغضب الأحرار فتحميهم الأنفة أن يدخلوه، وقد دخله الأحرار كما دخله العبيد في مبدأ التبشير بالدين الجديد.
فإن كانت لبلال وصهيب وأمثالهما مصلحة في الإيمان بذلك الدين؛ لأنه يسوي بينهم وبين أبي بكر وحمزة وعثمان وعلي والفاروق، فما مصلحة هؤلاء في النزول بأقدارهم إلى حيث يتساوون بعبيدهم المستضعفين؟ وهم أولئك ذوو الحمية التي تشمخ برءوسهم على رءوس الأحرار من أبناء كل قبيل لا يضارعهم في العزة والجاه!
فعن الحق وسكينته في النفوس فلنبحث في تعليل الإيمان بكل عقيدة جديدة وكل مصلحة إنسانية فوق مصالح الأفراد، وإنما يوجد الإيمان حين يوجد للنفس حق محبوب وباطل مكروه، ولو ضاعت في سبيل حب الحق وكراهة الباطل كل مصلحة عاجلة أو آجلة أو ضاعت الحياة بغير أمل في الجزاء.
فلا العبيد آمنوا لأن الإسلام يسوي بينهم وبين الأحرار، ولا الأحرار آمنوا لأن الإسلام يسوي بينهم وبين العبيد؛ لأن قصارى هذه التسوية أنها مصلحة لفريق من الناس، وما زال الإيمان والمصلحة شيئين مختلفين ومعدنين متباينين. فالمصلحة شيء تحتويه حياة الفرد وقد تحتويه حصة قليلة من حياته، أما الإيمان فهو أبدا شيء يتجاوز الفرد الواحد، وقد يبذل في سبيله المصلحة والحياة.
أولم يوجد في الوثنية وفي بعض الأديان الكتابية أناس يؤمنون بالأرباب، وهم يؤمنون أن الأرباب تفرق بين أقدارهم وأقدار سادتهم في الحياة وبعد الممات؟
أولم يكن بلال يؤمن باللات والعزى وغيرها من أرباب الجاهلية وكان لا يرجو نصفة منها ولا تسوية بينه وبين ساداته المتجبرين عليه وعلى سائر الضعفاء؟
Unknown page