Daci Sama
داعي السماء: بلال بن رباح «مؤذن الرسول»
Genres
وقد شوهدت في الدنيا عبادات كثيرة وعقائد لا تحصى، ولكن لم تشاهد قط عقيدة تقبل التضحية بالحياة وهي خلو من إيمان بحق وثورة على باطل، ولم تشاهد قط عقيدة تقبل التضحية بالحياة وهي قائمة على منفعة تخص صاحبها ولا تتجاوزه إلى الآخرين. ومتى تجاوزت المنفعة فردا واحدا وأصبحت قابلة للتعميم بين الأفراد الآخرين؛ فهي إذن مسألة حق سابق لوجود المنافع وسابق لوجود الأفراد.
فالإيمان أبدا هو شعور بالحق وليس شعورا بالمصلحة على وجه من الوجوه.
وقد تقف المصلحة في سبيل العقيدة قبل الإيمان بها؛ لأن المصلحة موجودة والإيمان غير موجود. ولكنهما متى وجدتا معا فهما شيئان وليسا بشيء واحد. ويظلان أبدا شيئين من معدنين مختلفين وإن تلاقيا في الطريق إلى مدى بعيد.
وإن إسلام بلال رضي الله عنه لمن الشواهد الكثيرة التي تقرر هذه الحقيقة في الأذهان.
وقد عنينا بأن نبين مزايا الإسلام في معاملة الأرقاء. ولكننا عنينا مع ذلك بأن نبين حقيقة أخرى لا بد من تبيينها في هذا المقام، وهي أن المعاملة نفسها ليست هي سبب دخول الأرقاء في الإسلام، وإنما هو «الحق» والشعور بجمال هذا الحق أو وجوب تغليبه على الباطل، ولو لقي الأرقاء في سبيله ما هو أقسى عليهم من معاملة المشركين للعبيد والإماء.
كان أول من أسلم ثمانية هم أولئك النخبة الأبرار: خديجة وأبو بكر وعلي وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد.
قال رواة صدر الإسلام: أما أبو بكر فمنعه الله بقوته وكذلك من كان لهم قوم يحمونهم. وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وأصهروهم في الشمس، فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا من الكفر وسب النبي عليه السلام، إلا بلالا فإنه هانت عليه نفسه في الله وهانت على قومه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحد. أحد. ولا يزيد.
وجاء في طبقات ابن سعد بإسناده ما فحواه: إنه كان من المستضعفين من المؤمنين، وكان يعذب حين أسلم ليرجع عن دينه فما أعطاهم قط كلمة مما يريدون ، وكان الذي يعذبه أمية بن خلف ...
وكانوا إذا اشتدوا عليه في العذاب قال: أحد. أحد. فيقولون له قل كما نقول. فيقول: إن لساني لا يحسنه. وكانوا يأخذونه فيمطونه ويلقون عليه من البطحاء وأنطاع الأدم ويريدونه على أن يذكر اللات والعزى فلا يذكرهما ويقول: أحد. أحد. فأتى عليه أبو بكر فسألهم علام تعذبون هذا الإنسان! واشتراه بسبع أواق وأعتقه.
ومما جاء في الطبقات أن أبا جهل جاءهم بالعشي فجعل يشتم سمية ويرفث، ثم طعنها فقتلها فهي أول شهيد في الإسلام. وهانت على بلال نفسه في الله حتى ملوه، فجعلوا في عنقه حبلا ثم أمروا صبيانهم أن يشدوه بين أخشبي مكة فلم يزدهم على كلمته التي كان يرددها ولا يمل من تردادها: أحد. أحد.
Unknown page