Daci Sama
داعي السماء: بلال بن رباح «مؤذن الرسول»
Genres
فأخمد الثورة في آسيا الصغرى ثم زحف على «إريتريا» فعصف بها وأرسل أهلها أسارى وسبايا إلى شطوط الخليج الفارسي يسامون فيها سوم الأرقاء.
ثم تقدم إلى أثينا وفي حسابه أنها منقسمة على نفسها مسرعة إليه بالتسليم ولو من بعض طوائفها وزعمائها، فلما وقع ما لم يكن في حسبان الفرس ولا اليونان واتفقت كلمة الأثينيين على الدفاع عن بلادهم لم يشأ أن يطيل الحصار؛ لأنه لم يقصد إلى إسقاط المدينة ولم يجد في الأمر ما يستحق المطاولة والعناء.
أما معركة سلاميس فقد كانت المصادفة فيها أغلب من التدبير. شغل الفرس بعد معركة ماراتون بالثورة المصرية ثم خرج زركسيس لقتال اليونان في جيش ضخم مختلط الأجناس لكنه دون الضخامة التي صورها اليونان بكثير، وكانت ضخامته واختلاطه عائقا له ولم تكن من مزاياه ومرجحاته؛ لأن قيادة جيش كبير من قبيل واحد أيسر جدا من قيادة نصف هذا الجيش وهو مختلط الأجناس متعدد الأهواء، ولأن الجيش كان مرتبطا بمعونة الأسطول الذي يلازم الشاطئ ويحمل له المئونة والعتاد ويتكفل بنقله في المجازات البحرية، فأصبح الجيش والأسطول معا مقيدين بطريق واحد لا يعدوانه ولا يغيب علمه عن اليونان. ولما التقى الأسطولان في سلاميس كانت كثرة السفن الفارسية عائقا للأسطول أيضا ولم تكن من مزاياه ومرجحاته؛ لأن المكان أضيق من أن يتسع لمناورات الأسطول كله، ولأن زركسيس لم يتقدم إليه إلا لعلمه باختلاف قواد اليونان في إدارة المعركة البحرية، وكان الواقع أنهم مختلفون وأن بعضهم أعلن في مجلس الحرب نية التراجع بمعظم السفن من سلاميس.
فلما نشبت المعركة قبل أن يتم هذا التراجع كانت الكفة الراجحة في جانب اليونان، وأصبح تموين الجيش الفارسي ضربا من المحال بعد ضياع السفن التي مني بخسارتها في المعركة، فعدل زركسيس عن المطاولة في المعركة البحرية وإن كان قد ظفر بالأثينيين في المواقع البرية.
ولا شك أن الذي أصاب الفرس في هذه المعارك قد كان يصيب اليونان لا محالة لو أنهم كانوا في موضعهم وكانوا ينقلون الجيش مثل نقلهم وهو في اختلاطه وتعدد أهوائه.
فليست المسألة كلها مسألة اختلاف في معدن القوم أو مناقب السلالة، ولكنها اختلاف في الأحوال والملابسات، وخليق بالذين ينسون آفة الاختلاط في الجيوش ويحسبون مغبتها على الفرس أو الشرقيين دون غيرهم، أن يذكروا أن الصليبيين على وفرة جموعهم وانتمائهم جميعا إلى العنصر الأوروبي قد أصابتهم الهزيمة على أيدي الشرقيين وهم دولة واحدة تقل عنهم في العدد والعتاد ولم تعوز الصليبيين في تلك المواقع حرارة العقيدة وشدة المراس.
ومع هذا ألا يقول دعاة البدعة الآرية إن الفرس قديما من سلالة الآريين وإنهم أقرب إلى أمم الشمال من يونان الجنوب؟
إن العالم النمسوي فردريك هرتز يذكر أن اختلاط الزنوج بأهل أوروبا كان في الزمن القديم، ومن المفيد في هذا الصدد أن ننقل هنا ما أوردناه في كلامنا على مفاخر الأجناس بالجزء الثاني من «ساعات بين الكتب» وهذا بعض ما جاء فيه:
للزنوج أثر في أوروبا تدل عليه الجماجم التي وجدت في ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وكرواتيا ومورافيا، ووجد ما يشابهها منذ ثماني سنوات في أفريقيا الجنوبية. وقد بقي أثر للأقزام السود في جبال الألب إلى عهد بنيني الذي تكلم عن هؤلاء الأقزام وعززت كلامه القصص والأساطير.
ويزعم شمبرلين أن عرفان حقوق الحياة هو مزية الآريين التي لا يعرفها الساميون في الشرق لاستغراقهم في المادة وتقديمهم المال والحطام على الأذهان والأرواح. فيجيبه الأستاذ هرتز بجواب مفحم هو المقابلة البسيطة بين شريعة الرومان وشريعة حمورابي في محاسبة المدينين، فاللوح الثالث من ألواح القانون الروماني يبيح للدائنين أن يقطعوا لحم المدين ويقتسموه بينهم وأن يقتلوه قتلا في مدى سبعة وعشرين يوما من يوم القبض عليه وتكبيله في الحديد والحبال، وأما شريعة حمورابي فهي تقضي بأن يخدم المدين دائنه ثلاث سنوات، والقانون يحميه في خلال هذه الخدمة من سوء المعاملة والإرهاق. زد على هذا أن الفرق واضح بين الشريعتين في أمور أخرى؛ منها أن السارق المضطر معذور في شريعة حمورابي، وهو غير معذور بحال من الأحوال في شريعة الرومان، وأن الأب الروماني يجوز له أن يبيع أولاده، ولا يجوز ذلك للآباء عند البابليين، وأن الزوج البابلي لا يجوز له أن يقتني السراري بغير إذن من زوجته، وليس للزوجة مثل هذا الحق عند الرومان، وأن المدين يحق له أن يطلب الحط من دينه إذا نقصت غلة أرضه وليس في الشريعة الرومانية شيء من هذا القبيل. وهكذا وهكذا من شواهد الرحمة وتقديم الحياة على الحطام في شريعة حمورابي ثم من شواهد القسوة وتقديم الحطام على الحياة في شريعة الرومان.
Unknown page