Dacaya Ila Sabil Muminin
الدعاية إلى سبيل المؤمنين لأبي إسحاق اطفيش
Genres
لقد أجاد القاضي الجرجاني في تقسيمه أهل النقص إذ قال : أهل النقص رجلان : رجل أتاه التقصير من قبله ، وقعد به عن الكمال اختياره ، فهو يساهم الفضلاء بطبعه ، ويحنو عللا الفضل بقدر سهمه ، وآخر رأى النقص ممتزجا بخلقته ومؤثلا في تركيب فطرته ، فاستشعر اليأس من زواله ، وقصرت به الهمة عند انتقاله ، فلجأ إلى حسد الأفاضل ، واستغاث بانتقاص الأماثل ، يرى أن أبلغ الأمور في جبر نقيصته لوستر ما كشفه العجز عن عورته ، اجتذابهم إلى مشاركته ووسمهم بمثل سمته وقد قيل :
وإذا أراد الله نشر فضلية
طويت أتاح لها لسان حسود
صدق والله وأحسن ، كم من فضيلة لو لم تستثرها المحاسدة ، لم تبرح في الصدور كامنة ، ومنقبة لو لم تزعجها المنافسة لبقيت على حالها ساكنة ، لكنها برزت فتناولتها ألسن الحسد تجلوها ، وهي تظن أنها تمحوها ، وتشهرها وهي تحاول أن تسترها ، حتى عثر بها من يعرف حقها ، واهتدى إليها من هو أولى بها فظهرت على لسانه في أحسن معرض ، واكتست من فضله أزين ملبس ، فعادت بعد الخمول نابهة وبعد الذبول ناضرة ، وتمكنت من بر والدها فنوهت بذكره ، وقدرت على قضاء حق صاحبها فرفعت بقدره ، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم .
إن الفضل له آثار ظاهرة وشواهد باقية ، لايتناولها تنقيص بالاستحقار ولا زراية واستصغار
بنقصك أهل الفضل بان لنا
أنك منقوص ومفضول
فالكتابة متى كانت خالية من علم يستفاد أو حكمة ترتاد أو راى صائب أو نسج بديع رائق فلا حظ لها من القبول ، وإنما تعد من قبيل الفضول ، أما إذا كانت هجرا وفحشا فنصيبها الرد والامتهان ، ولصاحبها المقت والشنآن .
وإليك ما اشتملت عليه تلك الرساله من النقائص الفادحة والغباوة :
أولا - ألفاظ الشتم والاختلاق وطعن الأعراض والبهتان ، ولا أعظم فرية من قوله ( تفضيل علومهم على القرآن ) ودعوى نكران سد يأجوج وانكار هذا الجنس وقد رأيت ما فيه .
Page 134