251

Cuyun Tafasir

عيون التفاسير للفضلاء السماسير للسيواسي

Genres

دخلوها تحريم منع لا تحريم تعبد، وكانت مكتوبة لهم بشرط الجهاد والإطاعة، ويجوز أن يكون التحريم موقتا فاذا مضى الوقت كان ما كتب، وتنصب (أربعين سنة يتيهون في الأرض) أي يترددون فيها متحيرين ظرفا للتحريم ليكون التيه مجهولا والتحريم معلوما، ولو نصبته ب «يتيهون» كان التيه معلوما والتحريم مجهولا، والتيه المفازة التي يتاه فيها، فغم عليهم السبيل نهارا وسيرهم ليلا، يسهرون في التيه ليلتهم ويصبحون حيث أمسوا، وكان التيه «1» بين أيلة وفلسطين ستة فراسخ في اثني عشر فرسخا، فمكثوا فيها أربعين سنة لا يجدون سبيلا، وكان الغمام يظللهم من حر الشمس ويطلع لهم عمود من نور بالليل يضيئ لهم، وينزل عليهم المن والسلوى رحمة وشفقة عليهم، ومثل ذلك كمثل الوالد المشفق يضرب ولده العاصي ليتأدب «2» وهو لا يقطع عنه إحسانه «3»، قيل: أوحى الله تعالى إلى موسى بي حلفت لأحرمن عليهم دخول الأرض المقدسة غير عبدي يوشع وكالب، ولأتيهنهم في هذه البرية أربعين سنة مكان كل يوم تجسسوا من أحوال الجبابرة سنة ولألقين جيفهم في هذه القفار «4»، وأما بنوهم فيدخلونها فلما بقوا في التيه حزن وندم موسى على دعائه فأوحى الله إليه أنهم أحقاء بذلك لفسقهم (فلا تأس) أي لا تحزن يا موسى (على القوم الفاسقين) [26] أي العاصين بأمرنا، روي: أن موسى وهرون ماتا في التيه وهلكت تلك العصابة وبقي منهم يوشع وكالب وذرياتهم فخرجوا إلى تلك المدينة وفتحوها عند غروب الشمس «5»، وقيل: دعا الله يوشع بأن يرد الشمس بعد غروبها فردت قدر ثلث ساعات حتى فتحوا البلدة فاختلطت النجوم عن مجاريها من ذلك اليوم فخفي على المنجمين أمرها «6»، وروي:

أن هرون مات قبل موسى بسنة، وأن يوشع فتح المدينة بعد موت موسى بثلثة أشهر ومات النقباء في التيه بغتة إلا كالب ويوشع ولم يكن التيه لهما عقوبة بل كان راحة ورحمة كابراهيم حين ألقي في النار «7»، وقيل: إن موسى لم يمت وسار بالعسكر مقدمهم يوشع نحو القرية، فلما وصلوا إليها نفخوا في القرون وضجوا ضجة واحدة فسقط سورها فدخلوها وقتلوا الجبابرة وقتل موسى عوج بن عنق ولم يدخل القرية أحد من الذين قالوا إنا لن ندخلها أبدا، ومكث موسى بعد ذلك سنة، ثم قبض الله تعالى «8».

[سورة المائدة (5): آية 27]

واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين (27)

قوله (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق) نزل تقبيحا للحسد لأهل الكتاب والمشركين حيث جحدوا رسالة النبي عليه السلام، وكتموا نعته وأصروا على كفرهم، ولم يؤمنوا به حسدا من عند أنفسهم فأمر تعالى محمدا عليه السلام أن يقص عليهم ما جرى بسبب الحسد ليتركوه ويؤمنوا به بقوله «واتل»، أي اقرأ عليهم خبر ابن آدم ملتبسا بالصدق والصحة والتوافق «9» لما في كتب الأولين «10» (إذ قربا) أي ووضعا للتقرب عند الجبل (قربانا) أي قربانين، والقربان ما يتقرب به إلى الله من نسيكة أو صدقة، ولم يثنه، لأنه في الأصل مصدر (فتقبل) القربان (من أحدهما) أي من هابيل بأن نزلت نار من السماء فأكلت قربانه (ولم يتقبل) القربان (من الآخر) وهو قابيل، فازداد قابيل حقدا وغيظا على هابيل ويهدده «11» بأن (قال لأقتلنك) فقال هابيل: لم تقتلني؟ قال قابيل: لأن الله تعالى قبل قربانك ولم يقبل قرباني (قال) له هابيل: إذن لا ذنب لي (إنما يتقبل الله) العمل الحسن (من المتقين) [27]

Page 270