فالوجب فالواجب الوجود بذاته متى فرض غير موجود لزم منه محال؛ ولا علة لوجوده، ولا يجوز كون وجوده بغيره، وإنه هو السبب الأول لوجود الأشياء؛ ويلزم أن يكون وجوده أقدم وجود، وان ينزه عن جميع انحاء النقص، فوجوده إذا تام؛ ويلزم أن يكون وجوده أتم الوجود، ومنزها عن العلل، مثل المادة والصورة والفعل والغاية، وأنه وإنه لا ماهية له غير أنه واجب الوجود، وهي أنيته؛ ويلزم من هذا أن لا جنس له، ولا فصل له، ولا حد له، ولا برهان عليه، بل هو برهان على جميع الأشياء؛ ووجوده بذاته أبدي أزلي، لا يمازجه العدم، وليس وجوده بقوة؛ ويلزم من هذا أن لا يمكن أن لا يكون ولا حاجة به الى شيء يمد بقاءه، ولا يتغير من حال الى حال؛ وهو واحد بمعنى أن الحقيقة التي له ليست لشيء غيره؛ وإنه واحد بمعني بمعنى أنه لا يقبل التجزئ التجزؤ كما تكون الأشياء التي لها عظم وكمية، وإذا ليس يقال عليه كمية، ولا متى، ولا أين، وليس بجسم؛ وهو واحد بمعنى أن ذاته ليست من أشياء غيره كان منها وجوده، ولا حصل ذاته من معان مثل الصورة والمادة والجنس والفصل؛ ولا ضد له؛ وهو خير محض، وعقل محض، ومعقول محض، وعاقل محض، وهذه الأشياء الثلاثة كلها فيه واحد؛ وإنه حكيم وحي وعالم وقادر ومريد، وله غاية الجمال والكمال والبهاء والبقاء ، وله أعظم السرور بذاته، وهو العاشق الأول والمعشوق الأول؛ ووجود جميع الأشياء منه على الوجه الذي يوصل أثر وجوده الى الأشياء فتصير موجودة، والموجودات كلها على الترتيب فائض من أثر وجوده، ولكل موجود من وجوده قسم ومرتبة مفردة، ووجود الأشياء عنه، لا عن جهة قصد منه يشبه قصدنا، ولا يكون له قصد الأشياء، ولا صدر الأشياء عنه على سبيل الطبع من دون أن يكون له المعرفة والإرادة بصدورها وحصولها، وإنما ظهر الأشياء عنه لكونه عالما بذاته وبأنه المبدأ لنظام الخير في الوجود على ما ينبغي أن يكون عليه
Page 310