Cuyun Athar
عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير
Publisher
دار القلم
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٤/١٩٩٣.
Publisher Location
بيروت
مِنْ هَاشِمٍ أَهْلِ الْوَفَاءِ وَالْكَرَمْ ... يَجْلُو دَجَنَاتِ اللَّيَالِي وَالْبُهُمْ
قَالَ: فَأَدَرْتُ طَرَفِي فَمَا رَأَيْتُ شخصا، فأنشأت أقول:
يا أيها الْهَاتِفُ فِي دَاجِي الظُّلَمْ ... أَهْلا وَسَهْلا بِكَ مِنْ طَيْفٍ أَلَمّ
بَيِّنْ هَدَاكَ اللَّهُ فِي لَحْنِ الْكَلِمْ ... مَنْ ذَا الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ تَغْتَنِمْ
قَالَ: فَإِذَا أَنَا بِنَحْنَحَةٍ وَقَائِلٍ يَقُولُ: ظَهَرَ النُّورُ، وَبَطَلَ الزُّورُ، وَبَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ بِالْحَبُورِ، صَاحِبَ النَّجِيبِ الأحمر، والتاج والمغفر، وَالْوَجْهِ الأَزْهَرِ، وَالْحَاجِبِ الأَقْمَرِ، وَالطَّرْفِ الأَحْوَرِ، صَاحِبَ قَوْلِ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَذَلِكَ مُحَمَّدٌ الْمَبْعُوثُ إِلَى الأَسْوَدِ وَالأَحْمَرِ، أَهْلِ الْمَدَرِ وَالْوَبَرِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَخْلُقِ الْخَلْقَ عَبَثْ ... وَلَمْ يُخَلِّنَا سُدًا مِنْ بَعْدِ عِيسَى وَاكْتَرَثْ
أَرْسَلَ فِينَا أَحْمَدا خَيْرَ نَبِيٍّ قَدْ بُعِثْ ... صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ مَا حَجَّ لَهُ رَكْب وَحَثْ
قَالَ: وَلاحَ الصَّبَاحُ وَإِذَا بِالْفَنِيقِ [١] يُشَقْشِقُ [٢] إِلَى النُّوقِ، فَمَلَكْتُ خِطَامَهُ وَعَلَوْتُ سَنَامَهُ، حَتَّى إِذَا لَغَبَ [٣] فَنَزَلَ فِي رَوْضَةٍ خَضِرَةٍ، فَإِذَا أَنَا بِقِسِّ بْنِ سَاعِدَةَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ وَبِيَدِهِ قَضِيبٌ مِنْ أَرَاكٍ يَنْكُثُ بِهِ فِي الأَرْضِ وَهُوَ يَقُولُ:
يَا نَاعِيَ الْمَوْتِ وَالْمَلْحُودُ فِي جَدَثٍ ... عليهم من بقايا بزهم حرق
دَعْهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ يَوْمًا يُصَاحُ بِهِمْ ... فَهُمْ إِذَا انْتَبَهُوا مِنْ نَوْمِهِمْ فُرُقُوا
حَتَّى يَعُودُوا بِحَالٍ غَيْرِ حَالِهِمْ ... خَلْقًا جَدِيدًا كَمَا مِنْ قبله خلقوا
منهم عراة ومنهم من ثِيَابِهِمُ ... مِنْهَا الْجَدِيدُ وَمِنْهَا الْمَنْهَجُ الْخَلَقُ
قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ، فَإِذَا أَنَا بِعَيْنٍ خَرَّارَةٍ فِي أَرْضٍ خَوَّارَةٍ، وَمَسْجِدٍ بَيْنَ قَبْرَيْنِ، وَأَسَدَيْنِ عَظِيمَيْنِ يَلُوذَانِ بِهِ، وَإِذَا بِأَحَدِهِمَا قَدْ سَبَقَ الآخَرَ إِلَى الْمَاءِ، فَتَبِعَهُ الآخَرُ يَطْلُبُ الْمَاءَ، فَضَرَبَهُ بِالْقَضِيبِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ حَتَّى يَشْرَبَ الَّذِي وَرَدَ قَبْلَكَ، فَرَجَعَ ثُمَّ وَرَدَ بَعْدَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَانِ الْقَبْرَانِ؟ قَالَ: هَذَانِ قَبْرَا أَخَوَيْنِ كَانَا لِي يَعْبُدَانِ اللَّهَ ﷿ مَعِي فِي هَذَا الْمَكَانِ، لا
[(١)] الفينيق من الإبل: الفحل، والجمع: فنق. [(٢)] يقال: شقشق الجمل أي هدر وهاج. [(٣)] أي تعب وأعيا.
1 / 86