176

ʿUyūn al-Athar fī Funūn al-Maghāzī waʾl-Shamāʾil waʾl-Siyar

عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير

Publisher

دار القلم

Edition

الأولى

Publication Year

١٤١٤/١٩٩٣.

Publisher Location

بيروت

وإلى ما تدعو أيضا يا أخا قريش؟ فقال رسول الله ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [١] فَقَالَ مَفْرُوقٌ: دَعَوْتَ وَاللَّهِ يَا أَخَا قُرَيْشٍ إِلَى مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَمَحَاسِنِ الأَعْمَالِ، وَلَقَدْ أَفَكَ قَوْمٌ، كَذَّبُوكَ وَظَاهَرُوا عَلَيْكَ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُشْرِكَهُ فِي الْكَلامِ هَانِئ بْن قَبِيصَةَ، فَقَالَ: هَذَا هَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ شَيْخُنَا وَصَاحِبُ دِينِنَا، فَقَالَ هَانِئٌ:
قَدْ سَمِعْنَا مَقَالَتَكَ يَا أَخَا قُرَيْشٍ، وَإِنِّي أَرَى أَنَّ تَرْكَنَا دِينِنَا وَاتِّبَاعَنَا إِيَّاكَ عَلَى دِينِكَ لِمَجْلِسٍ جَلَسْتَهُ إِلَيْنَا لَيْسَ لَهُ أَوَّلٌ وَلا آخِرُ زَلَّةٌ فِي الرَّأْيِ، وَقِلَّةُ نَظَرٍ فِي الْعَاقِبَةِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الزَّلَّةُ مَعَ الْعَجَلَةِ، وَمِنْ وَرَائِنَا قَوْمٌ نَكْرَهُ أَنْ نَعْقِدَ عَلَيْهِمْ عَقْدًا، وَلَكِنْ نَرْجِعُ وَتَرْجِعُ، وَنَنْظُرُ وَتَنْظُرُ، وَكَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يُشْرِكَهُ فِي الْكَلامِ المثنى بن حارثة، فقال: وهذا المثنى به حَارِثَةَ شَيْخُنَا وَصَاحِبُ حَرْبِنَا، فَقَالَ الْمُثَنَّى: قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتَكَ يَا أَخَا قُرَيْشٍ، وَالْجَوَابُ هُوَ جَوَابُ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ فِي تَرْكِنَا دِينِنَا وَاتِّبَاعِنَا دِينَكَ لِمَجْلِسٍ جَلَسْتَهُ إِلَيْنَا لَيْسَ لَهُ أَوَّلٌ وَلا آخِرُ، وَإِنَّا إِنَّمَا نَزَلْنَا بَيْنَ صري [٢] الْيَمَامَةِ وَالسَّمَامَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «ما هذان الصريين» فَقَالَ: أَنْهَارُ كِسْرَى وَمِيَاهُ الْعَرَبِ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ أَنْهَارِ كِسْرَى فَذَنْبُ صَاحِبِهِ غَيْرُ مَغْفُورٍ، وَعُذْرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ مِيَاهِ الْعَرَبِ فَذَنْبُ صَاحِبِهِ مَغْفُورٌ، وَعُذْرُهُ مَقْبُولٌ، وَإِنَّا إِنَّمَا نَزَلْنَا عَلَى عَهْدٍ أَخَذَهُ عَلَيْنَا كِسْرَى أَنْ لا نُحْدِثَ حَدَثًا وَلا نُؤْوِي مُحْدِثًا، وَإِنِّي أَرَى أَنَّ هَذَا الأَمْرَ الذي تدعونا إليه أنت هو مما يكره الْمُلُوكُ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ نُؤْوِيَكَ وَنَنْصُرَكَ مِمَّا يَلِي مِيَاهَ الْعَرَبِ فَعَلْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا أَسَأْتُمْ فِيَّ الرَّدَّ إِذْ فَصُحْتُمْ فِي الصِّدْقِ، وَإِنَّ دِينَ الله لن ينصره إلا من حاط مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ، أَرَأَيْتُمْ إِنْ لَمْ تَلْبَثُوا إِلَّا قَلِيلا حَتَّى يُوَرِّثَكُمُ اللَّهُ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وأموالهم ويفرشكم نساءهم، أتسبحوا اللَّهَ وَتُقَدِّسُونَهُ؟» فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ:
اللَّهُمَّ لَكَ ذَا، فَتَلا رَسُول اللَّهِ ﷺ: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَداعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجًا مُنِيرًا [٣] ثُمَّ نَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ يَا أَبَا حَسَنٍ، أَيَّةُ أَخْلاقٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا أَشْرَفَهَا بِهَا، يَدْفَعُ اللَّهُ بَأْسَ بَعْضِهِمْ عن

[(١)] سورة النحل: الآية ٩٠.
[(٢)] وهو الماء الذي طال استنقاعه.
[(٣)] سورة الأحزاب: الآية ٤٥.

1 / 179