Cuyun Athar
عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير
Publisher
دار القلم
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٤/١٩٩٣.
Publisher Location
بيروت
الإِسْرَاءِ، فَرُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أنكرت يَكُونَ رَآهُ، قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ، وَاحْتَجَّتْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [١] . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَقِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْبًا بِعَرَفَةَ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَكَبَّرَ حَتَّى جَاوَبَتْهُ الْجِبَالُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا بَنُو هَاشِمٍ نَقُولُ إِنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ، فَقَالَ كَعْبٌ: أَنَّ اللَّهَ قَسَّمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلامَهُ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَمُوسَى، فَكَلَّمَ مُوسَى مَرَّتَيْنِ وَرَآهُ مُحَمَّدٌ مَرَّتَيْنِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: «رَأَيْتُ نُورًا» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ: «نُورًا إِنِّي أَرَاهُ» .
وَفِي تَفْسِيرِ النَّقَّاشِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ؟ فَقَالَ: رَآهُ رَآهُ حَتَّى انْقَطَعَ صَوْتُهُ. وَفِي تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَذَكَرَ إِنْكَارَ عَائِشَةَ أَنَّهُ رَآهُ، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَيْسَتْ عَائِشَةُ أَعْلَمَ عِنْدَنَا مِنَ ابْنِ عباس. وفي تفسير ابن سلام عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ إِنْكَارُ عَائِشَةَ يَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَآهُ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: وَالْمُتَحَصِّلُ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ أَنَّهُ رَآهُ لا عَلَى أَكْمَلِ مَا تَكُونُ الرُّؤْيَةِ عَلَى نَحْوِ مَا يَرَاهُ فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ عِنْدَ الْكَرَامَةِ الْعُظْمَى وَالنَّعِيمِ الأَكْبَرِ، وَلَكِنْ دُونَ ذَلِكَ وَإِلَى هَذَا يُومِئُ
قَوْلُهُ: «رَأَيْتُ نُورًا» .
قُلْتُ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ لا يُعَارِضُ هَذِهِ، لأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنَ الرُّؤْيَةِ الإِدْرَاكُ. وَأَمَّا فَرْضُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَكَانَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، وَقَدْ ذَكْرَنا عَنِ الْوَاقِدِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ كَانَ لَيْلَةَ السَّبْتِ لسبع عشر خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى السَّمَاءِ. وَمَنْ يَرَى أَنَّ الْمِعْرَاجَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَنَّهُ هُوَ وَالإِسْرَاءُ فِي تَارِيخٍ وَاحِدٍ، فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الإِسْرَاءِ أَنَّهُ لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَبَعْدَ الْمَبْعَثِ بِتِسْعٍ أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ عَلَى حَسَبِ اخْتِلافِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ رَوَى الْوَقَّاصِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ الإِسْرَاءَ وَفَرْضَ الصَّلاةِ كَانَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسِ سِنِينَ. وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ أَيْضًا قَالَ: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْقَاسِمِ فِي تَارِيخِهِ: ثُمَّ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ ﷺ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَعُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ بَعْدَ مَبْعَثِهِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، قَالَ: وَلا أعلم أحدا من
[(١)] سورة الأنعام: الآية ١٠٣.
1 / 172