- معاوية بن أبي سفيان (١) يطلب المدد (٢):
بعد أن عاد الوليد بن عقبة من الغزو أتاه كتاب عثمان ﵁ هذا نصه ⦗٥٩⦘:
"أما بعد فإن معاوية بن أبي سفيان كتب إليَّ يخبرني أن الروم قد أجلبت على المسلمين بجموع عظيمة، وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة، فإذا أتاك كتابي هذا فابعث رجلًا ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وإسلامه في ثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف إليهم من المكان الذي يأتيك فيه رسولي والسلام".
يرى القارئ من ذلك أن أهالي البلاد التي دخلت في حوزة الإسلام انتهزوا فرصة وفاة عمر ﵁ لمحاربة المسلمين فنقض أهل الإسكندرية الصلح، لكن عمرو بن العاص هزمهم، ونقض كذلك أهل أرمينية وآذربيجان صلحهم فهزمهم الوليد، والآن نجد معاوية بالشام يطلب المدد، لأن الروم جمعوا جيوشهم وأجلبوا على المسلمين.
وبعد أن وصل إلى الوليد كتاب الخليفة قام في الناس فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال:
"أما بعد، أيها الناس فإن اللَّه قد أبلى المسلمين في هذا الوجه بلاءً حسنًا، رد عليهم بلادهم التي كفرت، وفتح بلادًا لم تكن افتتحت، وردهم سالمين غانمين مأجورين، فالحمد للَّه رب العالمين. وقد كتب أمير المؤمنين يأمرني أن أندب منكم ما بين العشرة الآلاف إلى الثمانية الآلاف. تمدون إخوانكم من أهل الشام فإنهم قد جاشت عليهم الروم وفي ذلك الأجر العظيم، والفضل المبين فانتدبوا رحمكم اللَّه مع سلمان بن ربيعة الباهلي".
فانتدب الناس وخرج ثمانية آلاف رجل من أهل الكوفة فمضوا حتى دخلوا مع أهل الشام أرض الروم وعلى جند أهل الشام حبيب بن مسلمة بن خالد الفهري (٣) وعلى جند أهل الكوفة سلمان بن ربيعة فصد المسلمون هجوم الروم، فأصاب الناس ما شاءوا من سبي وغنائم، وافتتحوا حصونًا كثيرة، وساروا منتصرين حتى بلغوا آسيا الصغرى مجتازين أرمينية فوصلوا طبرستان ⦗٦٠⦘ واتصلوا بزملائهم على الشاطئ الشرقي لبحر قزوين، واتجهوا نحو الشمال إلى أن وصلوا تفليس والبحر الأسود. فهذا نصر عظيم وتوسع في الفتح سريع لا نظير له في تاريخ العالم.
_________
(١) هو معاوية بن "أبي سفيان" صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشي، الأموي، مؤسس الدولة الأموية في الشام، وأحد دهاة العرب المتميّزين الكبار، أسلم سنة ٨ هـ، وتعلم الكتابة والحساب واستعمله النبي ﷺ لكتابة الوحي، هو أوَّل مسلم ركب بحر الروم للغزو، وكان عمر بن الخطاب يقول إذا نظر إليه: "هذا كسرى العرب". للاستزادة راجع: البدء والتاريخ ج ٦/ص ١٠، شذور العقود للمقريزي ج ٦/ص ٢٦٦، منهاج السنة ج ٢/ص ٣٠٠، تاريخ اليعقوبي ج ٢/ص ١٤٠، تطهير الجنان ص ١٢٨، الكامل في التاريخ ج ٤/ص ٢٦٠، تهذيب الكمال ج ٣/ص ١٠، تهذيب التهذيب ج ١٠/ص ٣٥، خلاصة تهذيب الكمال ج ٣/ص ٦٦، الكاشف ج ٣/ص ٧١، تاريخ البخاري الكبير ج ٧/ص ١٨، تاريخ البخاري الصغير ج ١/ص ٩٧، الثقات ج ٣/ص ١٩٩، أُسد الغابة ج ٥/ص ٢٥١، البداية والنهاية ج ٨/ص ٣٠٠، الاستيعاب ج ٣/ص ٤٠١، سير الأعلام ج ٣/ص ٢٦٥، طبقات ابن سعد ج ٩/ص ٢٠٣، نقعة الصديان ترجمة ص ٣١٧.
(٢) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٢/ص ٤٨٠.
(٣) هو حبيب بن مسلمة بن مالك الفهري، القرشي، أبو عبد الرحمن، قائد من كبار الفاتحين، يقرنه بعضهم بخالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح ولد بمكة سنة ٢ ق. هـ ورأى رسول اللَّه ﷺ وخرج إلى الشام مجاهدًا في أيام أبي بكر، فشهد اليرموك، ودخل دمشق مع أبي عبيدة فولاه إنطاكية، ثم أمره عمر بن الخطاب بإمداد سراقة بن عمر وكان قد ولي غزو الباب، فسار حبيب وتوغل في أرمينية، واشتهرت أعماله وشجاعته فيها، ثم قصد المدينة حاجًا فأكرمه عمر، كان معاوية يستشيره في كثير من شؤونه وكان يسمى "حبيب الروم" لكثرة دخوله بلادهم ونيله منهم، وهو فاتح كثير من بلاد أرمينية، كان عثمان يريد توليته أرمينية كلها، إلا أنه خاف أن تشغله السياسة عن القيادة، لما صفا الملك لمعاوية ولاه أرمينية فتوفي فيها سنة ٤٢ هـ. للاستزادة راجع: تهذيب ابن عساكر ج ٤/ص ٣٥، أشهر مشاهير الإسلام ٨٧٢.
1 / 58