يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر (آل عمران: 118)، وسائر نواهيه المبنية على الحكمة البالغة المرشدة إلى مصالح الدارين.
لكل شخص في طبقته من أمته عمل مفروض عليه، وواجب يلزمه القيام به، ليحفظ بذلك لنفسه حياة طيبة في هذه الدنيا، ويعد لها مآلا صالحا في الآخرة، وهو إنسان له قلب واحد، لو جعل معظم همه في شيء فإنه سائر الأشياء، فلو توغل في الشهوات، وبالغ في الترف، وبطر فيما أنعم الله عليه، فقد أغفل فرائضه، وأضر بنفسه، وحرم من منافعه، وحل به من عقاب الله أشد الوبال، وخسر الدنيا والآخرة معا، وربما مست آثار أعماله بالسوء من يجاوره، واحترق بناره الموقدة بفساد أخلاقه وانحرافه عن سنن الحق من يساكنه في بلدته، أو يواطنه في مدينته، وهذه آثار المترفين في كل أمة تنطق بما لا يعجم إلا على أذن صماء، وتشهد بما لا يخفى إلا على بصيرة كمهاء، وإن فيما قص الله علينا من أحوال المترفين لأكبر عبرة:
وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين (القصص: 58)،
حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون * لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون (المؤمنون: 64-65)،
ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون (غافر: 75)، هذه عواقب اللاهين بحظوظهم عما أوجب الله عليهم،
ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى (طه: 124).
ما أوتي الإنسان من العلم إلا قليلا، لا يمكن لإنسان وحده أن يحيط بوجوه المنافع الخاصة بنفسه، ولا أن يطلع على منابع فوائده ليكسبها، أو يكشف مكامن مضاره فيتقيها، خلق الإنسان ضعيفا فأرشده الله للاستعانة بغيره من بني جنسه
وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا (الحجرات: 13)، خلقنا محتاجين للعون مضطرين للصبر، وهدانا ربنا للتعاون والتناصر.
هذا مما يحكم به العقل في المصالح الخاصة، فكيف لو كان شخص ولاه الله رعاية أمة، وألقى إليه بزمام شعب مصالحه التامة تحت إرادته، وهو الوازع فيه والواضع والرافع؟ لا ريب أن مثل هذا الشخص أحوج إلى المشورة والاستفادة من آراء العقلاء، وهو أشد افتقارا إلى ذلك ممن يكون سعيه لمتعلقات ذاته، وتكون سعة دائرة افتقاره إلى التشاور على مقدار سعة سلطانه، وقد أمر الله نبيه وهو المعصوم من الخطأ تعليما وإرشادا فقال:
وشاورهم في الأمر (آل عمران: 159)، وقال فيما امتدح به المؤمنين:
Unknown page