195

أحسن الإنجليز إلى أحمد خان بتوظيف ولده مولوي محمود عضوا في مجلس قرية من قرى الهند لا تزيد عن «شبراخيت» في مديرية البحيرة.

ومن حبائله لصيده الضعفاء من المسلمين أنه يعدهم ويمنيهم بأنهم لو تبعوه لأدخلهم في وظائف الحكومة، بما له من الجاه عند جائرة الإنجليز، وحكومة الإنجليز لم توظف من أصحابه إلا أربعة أعضاء في مجالس القرى، ولا يوجد وطني هندي في مثل هذه الوظائف سواهم، هذا هو المجد الذي ناله أحمد خان ثمنا لدينه ووطنه، فهو كما قال صديق نواب حسن خان ملك بهوبال صاحب التصانيف المشهورة: إن «أحمد خان» دجال آخر الزمان، نعم ساعده حكام الإنجليز على استخدام بعض من يقدمهم، لكن لا في الحكومة الإنجليزية الهندية ولا على الخزينة الإنجليزية، وإنما يلزم الحاكم أحد النواب الباقين على صورة استقلالهم أن يوظفوهم في بعض الوظائف الدانية.

راق هذا المشرب في أعين الحكام الإنجليز وابتهجوا به، وظنوه موصلا إلى غايتهم من محو الدين الإسلامي من البلاد الهندية، هؤلاء الدهريون ساروا جيشا للحكومة الإنجليزية في الهند يسلمون سيوفهم لقطع رقاب المسلمين، لكن مع البكاء عليهم والصياح بهم، إنا لا نقتلكم إلا شفقة عليكم ورحمة بكم وطلبا لإصلاحكم ورفاهة عيشتكم، ورأى الإنجليز أن هذه أقرب الوسائل لنيل المقصود من ضعف الإسلام والمسلمين.

كان التلميذ الأرشد لأحمد خان والوزير الأول والمدير له في جميع شئونه رجلا اسمه سميع الله خان.

سميع الله خان هو أعظم الدهريين دهاء، وأشدهم اجتهادا في تضليل المسلمين، وأدقهم حيلة وأقواهم مكرا في إيجاد الوسائل لتفريق شمل المؤمنين، وتمكين الحكومة الإنجليزية في أرض الهند، يقوم هذا الخادع خطيبا في محافل المسلمين فتسبق دموعه كلامه، ويأتي بغاية ما عنده من الفصاحة؛ لهدم أركان الديانة الإسلامية وإبطال عقائدها الأصلية، ويتجرأ على حضرة الألوهية، ويطعن في الرسالة وصاحبها. كل ذلك وهو ينتحب كأنما يرثي الدين وأهله.

إذا دخل في بلد من بلدان لأداء هذه الخدمة واظب أياما على دخول المساجد، وحضور المحافل الدينية، واستدرج الناس بعذب الكلام، ولطف الوعد، وجذبهم إليه من حيث لا يشعرون، فإذا اجتمع عليه بعض من الناس اغترارا بطلاوة ظاهره بدأ في دعوتهم إلى مشربه الكدر (خلع الدين).

هذا العدو المبين للإسلام والمسلمين قد نال بمساعيه هذه وظيفة قاض (في الشريعة الإنجليزية) في بلدة «أكره» وهي بلدة لا تزيد عن دسوق في مديرية الغربية، قالت جريدة التايمس بعدما مدحت سميع الله خان بكل ما يمدح به: «إن هذه الوظيفة (قاض في بلد صغير) هي أعلى وظيفة ينالها هندي وطني.» (أيحتاج لإثبات العدالة الإنجليزية إلى شاهد أكبر من هذا).

نورث بروك، اللورد الإنجليزي الذي أشرنا إلى طرف من تاريخه في الهند في العدد الماضي، عرف سميع الله خان حق المعرفة عندما كان حكمدارا في الهند، ووقف على أنه أصدق الناس في خدمة الإنجليز وأقدرهم على أدائها،؛ ولهذا طلبه ذلك اللورد ليكون كاتم سره في مصر ليستعمله في تنفير المصريين من الدولة العثمانية، وفي إقناع المصريين بأن حكومة إنجلترا تريد بهم خيرا، ويستخدمه في استمالة قلوب العلماء؛ لأنه واحد منهم (على دعواه).

وقد يكون من نيته أن يدخل الجوامع، ويعظ، ويخطب، ويروي عن عدل الإنجليز ما لا صحة له وما تكذبه المشاهدة. ولكن رجاءنا في نباهة المصريين وصدق عقائدهم الدينية وشدة ارتباطهم بالدولة العثمانية؛ أن لا ينخدعوا لهذا الراكس الهندي (الراكس بلسان السنسكريت الشيطان المريد)، لا نجح الله له مقصدا ولا أناله مبتغى.

الفصل الحادي والتسعون

Unknown page