160

تريد حكومة إنجلترا إذا عارضتها الدول في السيادة على مصر أن تنشئ لها سلطة في الخرطوم يمتد حكمها إلى جميع أراضي السودان، وعساكرها الآن حالة في سواكن، وما أسرع أن تصل بين المدينتين بالسكة الحديد فتكون القوة الإنجليزية بعد هذا محيطة بمصر من جميع الجوانب.

وقفت على بابها من طرف الشمال في قبرص، وطوقت حدودها من الغرب إلى الشرق في السودان، وتحكمت في منابع النيل وتصرفت في أعلاه، وأخذت كل طريق يمكن منه الاستيلاء على الديار المصرية. وهنالك يرصد الإنجليز حركات الدول في أوروبا، فكلما أضاءت لهم بارقة فرصة مشوا فيها، وإذا أظلمت عليهم قاموا فيتقدمون إلى مصر خطوة بعد خطوة ولا يبالون، طال الزمان أو قصر، فإنهم يعرفونها لهم على أي حال، ولكنهم يتقون معارضة الدول في هذه الأوقات.

هذه غايات سير الإنجليز في الحوادث المصرية، وهي كما قالت «الريبوبليك فرانسيز» خيالات وأوهام إذا اشتدت الدولة العثمانية ورجال مصر في المطالبة بحقوقهم الشرعية والمحافظة على شئونهم، وأخذوا بالحزم وعقدوا العزم على مقاومة سعي الإنجليز في أوطانهم وديارهم، بعدما ظهر لهم ماذا يقصدون بهم، فإن تهاونت الدولة العثمانية أو تغافل المصريون حسبها الإنجليز طريقا مطروقة وسبيلا مسلوكة، وعدوا مطامحهم حقائق ثابتة ومطالب مقررة - لا نجح سعيهم، ولا صدق ظنهم.

الفصل الرابع والستون

السودان ومصر

نشرت جريدة البوسفور إجيبسيان، التي تطبع في القاهرة، خبرا، مصدره توفيق باشا نفسه، وهو أن الجنرال جوردون أنذر حكومته الإنجليزية بأنها إن لم تمده بجيش ينقذه من الضيق الملم به فإنه يرفض الدين المسيحي ويدخل في دين الإسلام! وضمنت جريدة البسفور صحة هذا الخبر العجيب (كذا وصفته الجريدة بالعجب).

وغرابة الخبر إن كانت من جهة أنه تهديد بما لا يهم الحكومة، فنحن نعلم أن الإنجليز يفزعهم خروج أحد منهم عن دينهم، وإن كانوا يرشدون الناس إلى ترك الدين ويعيبون على المستمسكين به، لكنهم أشد الناس تعصبا فيه فلا محل للغرابة.

وإن كانت من جهة أن جوردون، وهو من أشد قومه تمسكا بدينه، كيف يجنح للإسلام، فهو إنجليزي الطبيعة كما هو إنجليزي الجنس يتلون ظاهره بأي لون ويبرز في أي ثوب لإصابة غرضه مع المحافظة على ما طبع الله على قلبه، فلا عجب إن قال وفعل!

في خبر أن محمد أحمد طلب إلى أعوانه المحاصرين للخرطوم أن يأتوا إليه بجوردون حيا، ولا يمسوه بسوء إذا وقع في أيديهم.

وفي برقية من أسيوط إلى جريدة التايمس أن مركبا من مراكب البريد وصلت إليه تحمل ثلاثة أشخاص مرسلين من طرف زبير باشا لاستكشاف حالة جوردون، وتوجهت في الحال بمن فيها إلى أسوان.

Unknown page