Maghul al-ʿunwan fi latif al-kalam
مجهول العنوان في لطيف الكلام
Genres
واحدة، وهو تقدم العدم وكونه معادا يرجع إلى أنه وجد بعد ما وجد ثم عدم، وكونه باقيا يفيد استمرار وجوده. يبين ما ذكرناه أن المرجع بذلك لو كان إلى أمر زائد على ما ذكرناه لم يمتنع انفصال ذلك الأمر مما ذكرناه على الوجوه، لئلا يلتبس ما المرجع به إلى أمرين بما المرجع به إلى واحد. وقد علمنا امتناع ذلك فيها ولا حال له بكونه معدوما على ما قاله الشيخ أبو عبد الله، لأنه لا طريق إلى ذلك ولا يمكن ادعاء العلم الضروري باختصاصه بحال، وكيف يصح القول بأن الذات على حال حصولها وأن لا يحصل على سواء في كل حكم. والأحكام التي تستحيل في المعدوم، لو خرجت الذات عن الوجود لاستحالت. فلو قلنا أن المعدوم له بكونه معدوما حال لكان الأمر يحصل به لأن كل ما يقال أنه يحصل به له وجه قد يعلم تعلقه به، واجب حصوله
مع حصول هذه الحالة. وذلك يقتضي أن حصول هذه الحالة وأن لا يحصل على سواء في كل حكم. وليس كذلك انتفاء البياض بكل واحد من السوادين لأن كل واحد من السوادين يصح أن ينفرد عن الآخر، فينتفي به، وإن لم يحصل الآخر فله تأثير. ونحن نستقصي الكلام في ذلك فيما بعد إن شاء الله. فأما أن [الجو]هر يصح أن يوجد فيه الأعراض، فلا حال بذلك لأن المرجع به إلى أن العرض يصح وجوده بحيث وجد على ما بيناه من قبل [فا]لوصف لا يفيد حالا له. وإذا لم ينبئ وجود العرض في الجوهر على حال للجوهر فصحة وجوده بذلك أحق. وأما كونه مدركا فإنما ينبئ عن كون مدركا أدركه. ولذلك يصح كون الذات مدركة لزيد غير مدركة لعمرو، ولهذا قلنا أن من اعتقد فيما لا يدرك أنه مدرك فلم يجهل حاله له ولذلك نقول: إن من اعتقد أنه تعالى يرى فقد جهله، وإذا لم ينبئ كونه
مدركا عن حال فصحة كونه بذلك أحق. وأما الصفات التي تستحيل على الجزء فكل صفة تتعلق بالبنية أو ما يجري مجرى ما يتعلق به. ونحن نتبع القول في ذلك من بعد، إن شاء الله.
الفصل الثاني والخمسون في إدراك الجزء
القديم تعالى يدرك الجزء المنفرد، ولا شبهة في أن انفراده لا يؤثر في إدراكه تعالى له، وأحدنا يدركه مع غيره [لأنه إذا] أدرك صفيحة الجسم فإدراكه يتعلق بآحاده. وإنما الكلام في أنه لو وجد منفردا، هل ندركه أم لا؟ وحكي عن الشيخ أبي هاشم: إنا إنما لا ندركه للطافته لأنه يصير كالشعاع الذي لا ندركه . وإنما يدرك به هذه (؟) الطريقة. لو صحت لوجب أن لا تدرك الأجزاء اليسيرة، وإنما يدرك ما يكبر، فلا يختص بالجزء. والصحيح أنا ندركه لأن أحدنا على الصفة التي يدركها لكونه عليها يدركه، وهو على الصفة التي لكونه
عليها يدرك، فإنه يدرك مع غيره ولا مانع. ولا يمكن أن يقال أن لطافته تمنع من ذلك لأن ذلك إن منع فيجب أن لا يمتنع مع حصولها أن يتغير الحال على أحدنا فيدركه. وكل ما يمنع من الإدراك فهذا حاله. ولا وجه يعقل للاستمرار فيه على طريقة واحدة إلا اشتراكها في أن حظها حظ المانع من كون المدرك مدركا وليس ما له لا يرى الشعاع شعاعا للطافة، بل الوجه فيه أن بعض الشعاع لا ينفصل من بعض فيما يختص به من كونه مضيئا وما يجري مجراه، والجزء قد ينفصل من الشعاع. وقد بينا أن هذه الطريقة تقتضي ما لا يقول به رحمه الله [نحو] إدراكنا الأجزاء إذا كثرت.
الفصل الثالث والخمسون في أن الجوهر لا يصح أن يحل غيره لتحيزه
لو حل غيره لكان جهتهما واحدة، وقد بينا أن التحيز يمنع من ذلك، ولا يمكن أن يقال أنه إذا حله لم يكن متحيزا لأن التحيز يرجع إلى الذات، ولا أن يقال أن الجوهر المعدوم يحل غيره ولا تحيز له لأن المعدوم يمتنع كونه حالا. ولولا ذلك لامتنع حصول السواد والبياض في العدم، كما يمتنع وجودهما لأن الحلول مع العدم كهو مع الوجود. ولا يمكن أن يقال: لا يجب الحلول في كل حال هو فيه م[عدوم] كما يجب ذلك في كل حال هو فيه موجود [فيصح] اشتراكهما في العدم بأن لا يحلان لأن الطريقة في أن ما يحل غيره لا يصح وجوده حالا، وهو غير حالا حاصلة في العدم، فكان يجب الحلول في سائر أحوال العدم. ولو صح حلول العرض في حال عدمه لم يجب بعدم العلم والقدرة خروج أحدنا من كونه عالما وقادرا لأن الاختصاص ببعضه مع العدم كان لا يكون كالاختصاص مع الوجود؟ ولا يمكن أن يقال أن الوجود لا شرط لأنه لا مقتضي [لكونه]
شرطا مع صحة الاختصاص في العدم، لأن المقتضي لذلك أن يوجد فيحصل الاختصاص، فيكون الموجب للحكم بأن يوجبه للواحد أولى من أن يوجبه لغيره. أيضا الجوهر لو حل جوهرا، لم يكن أحدهما بأن يكون حالا في الآخر أولى من الآخر أن يكون حالا فيه، لأن حكم كل واحد حكم الآخر، وفي كون كل واحد من الشيئين حال في الآخر حاجة كل واحد في وجود البعض الآخر، وذلك مستحيل. أيضا لو صح في الجوهر أن يحل غيره لصح فينا ذلك مع جبل. ولا يمكن أن يقال: إنكم لا تقدرون على الكون بحيث هو لما بيناه فيما تقدم، ولا إنكم ممنوعون منه، لأن الجواهر إن صح فيها الحلول في الغير لم يكن عن ذلك مانع معقول. أيضا لو صح ذلك لكان لا يجب الخبر في الجواهر، لأن وجود البعض بحيث يوجد البعض كان يصح وفي وجوب الخبر دلالة على فساد هذا القول. أيضا لو حل أحدهما الآخر لم يتميز الحال من المحل [...] ولو صارا نفسا واحدا ما زاد حكمهما على ما ذكرناه. والأعراض وإن حلت الجواهر، فتختص بأحكام ليست للجواهر التي
تحلها. ولا يصح ذلك في الجوهرين، ويصح أيضا عل[ى] العرض مع بقاء الجوهر. وليس كذلك الجوهر، لأن ما معه يفنى أحدهما يقتضي فناء الآخر فيفنى مع أن الجهة واحدة، لأن مع ذلك لا شبهة في أن فناء أحدهما كان يجب أن يكون مثل فناء الآخر. أيضا يجب أن يكون ما في أحدهما من الأعراض في الآخر، لأن حكمهما معهما على سواء. وقد بينا فساد ذلك فيما تقدم. فإذا ثبت أن الجوهر يمتنع أن يحل في جوهر آخر مع صحة الحلول فكان يمتنع حلوله في القديم تعالى، والأعراض أحق مع أنه لو حل العرض، لكان يجب كون العرض حالا فيه، بل ذلك أحق، وكذلك القديم تعالى، وفي ذلك حاجة كل واحد إلى الآخر. وإذا صح ما ذكرناه وكان امتناع ذلك فيه راجعا إلى التحيز، لأنه لو لم يحصل إلا التحيز لامتنع ذلك [و]صح ما قلناه من أن ذلك إنما يمتنع لهذه الصفة.
Unknown page