ثم رحل إلي الحافظ أبي طاهر السِّلَفي بالإِسْكَنْدَريِّة مرتين، الأولي سنة (٥٦٦ هـ).
قال الحافظ عبد الغني: لما قدمت علي السلفي سألني عن أشياء، وقال: من هو محمد بن عبد الرحمن الذهبي؟ فقلت: المخلّص (١).
ومكث عنده في هذه المرة مدة.
ثم رحل إليه المرة الثانية سنة (٥٧٠ هـ)، وسمع منه الكثير، فقد كتب عنه نحوًا من ألف جزء بها.
وفي هذه المرة سافر إلي مصر، فسمع من أبي محمد بن بري النحوي، وجماعة.
ثم سافر إلي أصبهان بعد السبعين، وكان خرج إليها، ولم يكن معه من المال إلا القليل، فسهل الله أمره، وسخر له من حمله، وأنفق عليه، حتى دخل أصبهان، فنزل عند أبي الثناء؛ محمود بن سلامة الحراني التاجر، فكان يقول: كان الحافظ نازلًا عندي بأصبهان، وما كان ينام من الليل إلا القليل، بل يصلي، ويقرأ، ويبكي، حتي ربما منعنا النوم إلي السحر.
_________
(١) قلت: له ترجمة في "سير أعلام البلاء" (١٦/ ٤٧٨)، وسؤال السلفي لعبد الغني لير سؤال تعلم، وإنما هو سؤال اختبار، ومثل هذا معروف لدى الشيوخ، ومن ذلك ما وقع للذهبي مع شيخه ابن دقيق العيد. قال تاج الدين السبكي في "طبقات الشافعة الكبرى" (٩/ ١٠٢):
"لما دخل- يعني الذهبي- إلى شيخ الإسلام ابن دقيق العيد، وكان المذكور شديد التحري في الإسماع، قال له: من أين جئت؟ قال: من الشام؟ قال: بم تعرف؟ قال: بالذهبي. قال: من أبو طاهر الذهبي؟ فقال له: المُخَلِّص. فقال: أحسنت. فقال: من أبو محمد الهلالي؟ قال: سفيان بن عيينة. قال: أحسنت، اقرأ. ومكنه من القرآءة عليه حينئذ؛ إذ رآه عارفًا بالأسماء".
المقدمة / 36