وأفتح عيني حين أفتحها ... فأرى كثيرا، ولكن لا أرى أحدا
فهم كسقط المتاع، موتهم وحياتهم سواء، وفيهم يقول ابن الجوزي -رحمه الله-:
"لا يدرون لم خلقوا، ولا المراد منهم، وغاية همتهم: حصول بغيتهم من أغراضهم، ولا يسألون عند نيلها ما اجتلبت لهم من ذم، يبذلون العرض دون الغرض، ويؤثرون لذة ساعة، وإن اجتلبت زمان مرض، يلبسون عند التجارات ثياب محتال، في شعار مختال، ويلبسون في المعاملات، ويسترون الحال، إن كسبوا: فشبهة، وإن أكلوا: فشهوة، ينامون الليل وإن كانوا نياما بالنهار في المعنى (¬1)، ولا نوم بهذه الصورة، فإذا أصبحوا، سعوا في تحصيل شهواتهم بحرص خنزير، وتبصيص كلب، وافتراس أسد، وغارة ذئب، وروغان ثعلب، ويتأسفون عند الموت على فقد الهوى، لا على عدم التقوى، ذلك مبلغهم من العلم" اه.
كلما هم أحدهم أن يسمو إلى المعالي، ختم الشيطان على قلبه: "عليك ليل طويل، فارقد"، وكلما سعى في إقالة عثرته، والارتقاء بهمته، عاجلته جيوش التسويف والبطالة والتمني، ودعثرته، ونادته نفسه الأمارة بالسوء: "أنت كبر أم الواقع؟ ".
Page 48