ʿUlūw al-himma
علو الهمة
Genres
(نعم؛ إنه كان يبيت في طلب العلم مفكرا وباحثا، حتى يذلل الصعاب، وقد طابق القول العمل؛ حدثني -رحمه الله- قال: "جئت للشيخ في قراءتي عليه، فشرح لي كما كان يشرح، ولكنه لم يشف ما في نفسى على ما تعودت، ولم يرو لي ظمئي، وقمت من عنده وأنا أجدني في حاجة إلى إزالة بعض اللبس وإيضاح يعض المشكل، وكان الوقت ظهرا، فأخذت الكتب والمراجع، فطالعت حتى العصر، فلم أفرغ من حاجتي، فعاودت حتى المغرب، فلم أنته أيضا، فأوقد لي خادمي أعوادا من الحطب أقرأ على ضوئها كعادة الطلاب، وواصلت المطالعة، وأتناول الشاهي الأخضر كلما مللت أو كسلت، والخادم بجواري يوقد الضوء، حتى انبثق الفجر وأنا في مجلسي، لم أقم إلا لصلاة فرض أو تناول طعام، وإلى أن ارتفع النهار، وقد فرغت من درسي، وزال عني لبسي، ووجدت هذا المحل من الدرس كغيره في الوضوح والفهم ، فتركت المطالعة ونمت، وأوصيت خادمي أن لا يوقظني لدرسي في ذلك اليوم؛ اكتفاء بما حصلت عليه، واستراحة من عناء سهر البارحة؛ فقد بات مفكرا فيها، فأضحت لفهم الفدم خافضة الجناح) اه.
* وقال العلامة أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود الآلوسي البغدادي -رحمه الله- واصفا حاله أثناء مدارسته تفسير القرآن العظيم قبل أن يبلغ سن العشرين: (وإني ولله تعالى المنة مذ ميطت عني التمائم، ونيطت على رأسي العمائم، لم أزل متطلبا لاستكشاف سره المكتوم، مترقبا لارتشاف رحيقه المختوم، طالما فرقت نومي لجمع شوارده، وفارقت قومي لوصال خرائده، فلو رأيتني وأنا أصافح بالجبين صفحات الكتاب من السهر، وأطالع -إن أعوز الشمع يوما- على نور القمر، في كثير من ليالي الشهر، وأمثالي إذ ذاك يرفلون في مطارف اللهو، ويرقلون في ميادين الزهو، ويؤثرون مسرات الأشباح، على لذات الأرواح، ويهبون نفائس الأوقات، لنهب خسائس الشهوات، وأنا مع حداثة سني، وضيق عطني، لا تغرني حالهم، ولا تغيرني أفعالهم) اه.
***
Page 172