128

أما السنة الشريفة: فحدث ما شئت عن علو همة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتسابقهم إلى المعالي، كيف لا وقد أوصاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز" (¬1)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليغرسها" (¬2)، وروي عنه أنه كان من دعائه - صلى الله عليه وسلم -: "وأسألك العزيمة على الرشد" (¬3)، وكان يتعوذ بالله من "العجز والكسل" (¬4)، وقال لأصحابه - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها " (¬5)، وطمأن أهل الهمة العالية بأن الله -عز وجل- يمدهم بالمعونة على قدر سمو هممهم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن المعونة تأتي من الله للعبد على قدر المؤنة) (¬6) الحديث، وبين أن أكمل حالات المؤمن ألا يكون له هم إلا الاستعداد للآخرة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له" (¬1).

وامتدح - صلى الله عليه وسلم - قوما بعلو همتهم فقال: "لو كان الإيمان عند الثريا، لتناوله رجال من فارس" (¬2).

وعامة نصوص الترغيب والترهيب في الوحيين الشريفين إنما ترمي إلى توليد قوة دافعة تحرك قلب المؤمن، وتوجهه إلى إقامة الطاعات، وتجنب المعاصي والمخالفات، وإلى بعث الهمة وتحريكها واستحثاثها للتنافس في الخيرات، والأمثلة عل ذلك أكثر من أن تحصر، فمن ذلك مثلا قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه، لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا" (¬3).

وقوله - صلى الله عليه وسلم -:

"يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارق، ورتل، كما كنت ترتل في دار الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها" (¬4)، وحذر من تعمد التباطؤ عن المسابقة إلى الطاعات، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -:

Page 131