وإن الله تعالى لم يخلقنا عبثا ولم ينوع لنا التكاليف سدى بل لم يلهم أحدا من المكلفين العمل بأمر من أمور الدين تعبده به على لسان أحد من المرسلين أو على لسان إمام من أئمة الهدى المجتهدين إلا وفي العمل به على وجهه في ذلك الوقت أعلى مراتب سعادة ذلك المكلف المقسومة له حينئذ واللائقة بحاله ولا يصرفه عن العمل بقول إمام من أئمة الهدى إلى العمل بقول إمام آخر منهم إلا وفيما صرفه عنه انحطاط في ذلك الوقت عن الأكمل في درجته اللائقة به رحمة منه سبحانه وتعالى بأهل قبضة السعادة ورعاية للحظ الأوفر لهم في دينهم ودنياهم كما يلاطف الطبيب الحبيب * ولله المثل الأعلى وهو القريب المجيب * لا سيما وهو الفاعل المختار في الأموات والأحياء والمدبر المريد لكل شئ من سائر الأشياء * فانظر يا أخي إلى حسن هذه القاعدة ووضوحها وكم أزالت من إشكالات معجمة وأفادت من أحكام محكمة فإنك إذا نظرت فيها بعين الإنصاف تحققت بصحة الاعتقاد أن سائر الأئمة الأربعة ومقلديهم رضي الله عنهم أجمعين على هدى من ربهم في ظاهر الأمر وباطنه ولم تعترض قط على من تمسك بمذهب من مذاهبهم ولا على من انتقل من مذهب منها إلى مذهب ولا على من قلد غير إمامه منهم في أوقات الضرورات لاعتقادك يقينا إن مذاهبهم كلها داخلة في سياج الشريعة المطهرة كما سيأتي إيضاحه وإن الشريعة المطهرة جاءت شريعة سمحى واسعة شاملة قابله لسائر أقوال أئمة الهدى من هذه الأمة المحمدية وإن كلا منهم فيما هو عليه في نفسه على بصيرة من أمره وعلى صراط مستقيم * وإن اختلافهم إنما هو رحمة بالأمة نشأ عن تدبير العليم الحكيم * فعلم سبحانه وتعالى أن مصلحة البدن والدين والدنيا عنده تعالى لهذا العبد المؤمن في كذا فأوجد له لطفا منه بعباده المؤمنين إذ هو العالم بالأحوال قبل تكوينها فالمؤمن المكامل يؤمن ظاهرا وباطنا إن الله تعالى لو لم يعلم أزلا إن الأصلح عنده تعالى لعباده المؤمنين انقسامهم على نحو هذه المذاهب لما أوجدها لهم وأقرهم عليها بل كان يحملهم على أمر واحد لا يجوز لهم العدول عنه إلى غيره كما حرم الاختلاف في أصل الدين بنحو قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصيناه به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه فافهم ذلك فإنه نفيس واحذر أن يشتبه عليك الحال فتجعل الاختلاف في الفروع كالاختلاف في الأصول فتزل بك القدم في مهواة من التلف فإن السنة التي هي قاضية عندنا على ما نفهمه من الكتاب مصرحة بأن اختلاف هذه الأمة رحمة بقوله صلى الله عليه وسلم وهو يعد خصائصه في أمته ما من معناه وجعل اختلاف أمتي رحمة وكان فيمن قبلنا عذابا ا ه وربما يقال إن الله تعالى لما علم أزلا إن الأحظ والأصلح عنده تعالى لهذا العبد المؤمن في إتمام دينة التطهر بالماء الجاري مثلا لاستحقاق حال مثله التطهر بما هو أشد في إحياء الأعضاء لأمر يقتضي ذلك أوجد له إماما أفهمه عنه إطلاق القول بعدم صحة الطهارة بسوى ذلك الماء في حق كل أحد فكان أنعش لهمته وألهمه تقليده ليلتزم ما هو الأحوط في حقه رحمة به ولما علم الله سبحانه وتعالى أن الأحظ والأصلح عنده تعالى أيضا لهذا العبد المؤمن تجديد وضوئه إذا كان متوضئا وصمم العزم على فعل ينتقض به الوضوء لانتقاض وضوئه الأول بنفس ذلك العزم
Page 8