Culama Muslimin
علماء المسلمين والوهابيون
فيها بالتشديد لا يجوز له العمل بقول غيره في مضايق الأحوال والضرورات فكانت المشقة تعظم على الأمة بذلك فالحمد لله الذي جاءت شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على أكمل حال بحكم الاعتدال فلا يوجد فيها شئ فيه مشقة على شخص إلا ويوجد فيها شئ آخر فيه التخفيف عليه إما حديث أو أثر أو قول إمام آخر أو قول في مذهب ذلك المشدد مرجوح يخفف عنه فإن قلت فما الجواب أن نازعنا أحد فيما قلناه من المقلدين الذين يعتقدون أن الشريعة جاءت على مرتبة واحدة وهي ما عليه إمامه فقط ويرى غير قول إمامه خطأ يحتمل الصواب قلنا له الجواب إننا نقيم عليه الحجة من فعل نفسه وذلك أننا نراه يقلد غير إمامه في بعض الوقائع فنقول له هل صار مذهب إمامك فاسدا حال عملك بقول غيره ومذهب الغير صحيحا أم مذهبك باق على صحته حال عملك بقول غيره ولعله لا يجد له جواب سديدا يجيبك به أبدا على وجه الحق * وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول لا يكمل لمؤمن العمل بالشريعة كلها وهو متقلد بمذهب واحد أبدا ولو قال صاحبه إذا صح الحديث فهو مذهبي لترك ذلك المقلد الأخذ بأحاديث كثيرة صحت عند غير إمامه وهذا من ذلك المقلد عمى في البصيرة عن طريق هذه الميزان وعدم فهمه لكلام إمامه رضي الله تعالى عنه إذ لو كان إمامه رضي الله تعالى عنه يقول من نفسه الشريعة أنه أدرى بشأن نصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل أحد لما كان يقول رضي الله عنه إذا صح الحديث أي بعدي فهو مذهبي والله أعلم انتهى وهو كلام نفيس فإن الشريعة إنما تكمل أحكامها بضم جميع الأحاديث والمذاهب بعضها إلى بعض حتى تصير كأنها مذهب واحد ذو مرتبتين وكل من اتسع نظره وتبحر في الشريعة وأطلع على أقوال علمائها في سائر الأدوار وجد الشريعة منسوجة من الآيات والأخبار والآثار سداها ولحمتها منها وكل من أخرج حديثا أو أثرا أو قولا من أقوال علمائها عنها فهو قاصر جاهل ونقص علمه بذلك وكان علمه كالثوب الذي نقص من قيامه أو لحمته سلك أو أكثر بحسب ما يقتضيه الحال فالشريعة الكاملة حقيقة هي جميع المذاهب الصحيحة بأقوالها لمن عقل واستبصر فضم يا أخي جميع أحاديث الشريعة وآثارها وأقوال علمائها إلى بعضها بعضا وحينئذ يظهر لك كمال عظمة الشريعة وعظمة هذه الميزان ثم انظر إليها بعد الضم تجدها كلها لا تخرج عن مرتبتي تخفيف وتشديد أبدا وقد تحققنا بهذا المشهد ولله الحمد من سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة فإن قلت فما أصنع بالأحاديث التي صحت بعد موت إمامي ولم يأخذ بها فالجواب الذي ينبغي لك أنك تعمل بها فإن إمامك لو ظفر بها وصحت عنده لربما كان أمرك بها فإن الأئمة كلهم أسرى في يد الشريعة كما سيأتي بيانه في فصل تبريهم من الرأي ومن فعل مثل ذلك فقد حاز الخير بكلتا يديه ومن قال لا أعمل بحديث إلا أن أخذ به إمامي فإنه خير كثير كما عليه كثير من المقلدين لأئمة المذاهب وكان الأولى لهم العمل بكل حديث صح بعد إمامهم تنفيذا لوصية الأئمة فإن اعتقادنا فيهم إنهم لو عاشوا وظفروا بتلك الأحاديث التي صحت بعدهم لأخذوا بها وعملوا بها وتركوا كل قياس كانوا قاسوه وكل قول كانوا قالوه وقد بلغنا من طرق صحيحة أن الإمام الشافعي أرسل يقول للإمام أحمد بن حنبل إذا صح عندكم
Page 30