فانظر رحمك الله إلى حسن هذا الحديث وما دل عليه من الفوائد وقد ذكر ان الصبر والقناعة والرضا والزهد والاخلاص واليقين أمور متشعبة (منشعبة) عن التوكل وكفى بهذا مدحا للتوكل، ثم ذكر في حد التوكل بان المخلوق لا يضر ولا ينفع ولا يعطى ولا يمنع واستعمال اليأس من الناس فهذه خمس دعائم للتوكل أربعة علمية وواحدة عملية (1) ولاقوام للأربعة بدون الخامس بل هو ملاكها، وعنده تظهر ثمرتها وتحمد جناها ومن هذا يعلم أنه لأقوام للعلم بدون العمل، وانه لا يزكو ولا ينتفع به صاحبه ما لم يعمل به وهذا ظاهر، فان من اشتكى وجع ضرسه وهو يعلم أن الحامض يضره ثم اكل حامضا فإنه يوجعه ضرسه قطعا ولم يكن علمه بذلك نافعا له حيث ترك العمل به.
ثم انظر إلى النتيجة الحاصلة من الدعائم في قوله صلى الله عليه وآله: فإذا كان ا لعبد كذلك لم يعمل لاحد سوى الله ولم يزغ قلبه الخ وهو ثلاثة أمور: الأول الاخلاص لأنه إذا تحقق كون المخلوق لا يضر ولا ينفع لم يعمل له ولم يطلب المنزلة في قلبه، فانحسم (2) عنه داعية الريا فلم يزغ قلبه وبقى مستقيما باخلاصه وايقاعه لعبادته على وجهها اللايق بها. الثاني العزة بتمام الغنى عن الناس في قطع الطمع منهم لان من تحقق ان لا معطى من الخلق لم يرجه واعتمد برجائه على ربه لأنه المعطى لاغيره. الثالث نيل الامن وعدم الخوف من ساير المخلوقات، وعامة المؤذيات ولهذا كان المخلصون والعباد والسياح يمرون على السباع غير مكترثين (3) بها فان من تيقن ان المخلوق لا يضر لم يخف منه وكان اعتقاده في السبع كاعتقاده في البقيه.
وحدث أبو حازم عبد الغفار بن الحسن قال: قدم إبراهيم بن أدهم الكوفة وانا معه
Page 86