[مقدمة]
(متن العمدة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله أهل الحمد ومستحقه، حمدا يفضل على كل حمد كفضل الله على خلقه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة قائم لله بحقه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله غير مرتاب في صدقه، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصحبه ما جاء سحاب بودقه، وما رعد بعده برقه.
أما بعد، فهذا كتاب في الفقه اختصرته حسب الإمكان، واقتصرت فيه على قول واحد ليكون عمدة لقارئه، فلا يلتبس الصواب عليه باختلاف الوجوه والروايات.
سألني بعض إخواني تلخيصه ليقرب على المتعلمين، ويسهل حفظه على الطالبين، فأجبته إلى ذلك، معتمدا على الله سبحانه في إخلاص القصد لوجهه الكريم، والمعونة على الوصول إلى رضوانه العظيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وأودعته أحاديث صحيحة تبركا بها، واعتمادا عليها، وجعلتها من الصحاح لأستغني عن نسبتها إليها.
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الحمد لله ذي الفضل والنعم والجود والكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وأطلعه على غوامض الحكم، أحمده على ما علم وألهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة مبرأة من التهم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المحترم، أرسله إلى العرب والعجم، وجعل أمته خير الأمم، وهدى به إلى الطريق الأقوم، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - وشرف وعظم وأكرم، وبعد، فهذا شرح كتاب العمدة لشيخنا الإمام أبي محمد عبد الله بن أحمد المقدسي ﵀، رتبته مختصرا ليكون عدة لي في الحياة، وذخيرة بعد الوفاة، وإلى الله سبحانه الرغبة أن يجعله لوجهه خالصا وإليه مقربا، إنه على كل شيء قدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
1 / 11
كتاب الطهارة
باب أحكام المياه (١) خلق الماء طهورًا، يطهر من الأحداث والنجاسات
(٢) ولا تحصل الطهارة
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[كتاب الطهارة] [باب أحكام المياه]
باب أحكام المياه مسألة ١: (خلق الماء طهورًا، يطهر من الأحداث والنجاسات) لقوله سبحانه: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: ١١] وقال ﷺ: «اللهم طهرني بالماء والثلج والبرد» متفق عليه، والطهور: هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره، وهو الذي نزل من السماء أو نبع من الأرض وبقي على أصل خلقته، فهذا يرفع الأحداث ويزيل الأنجاس للآية.
مسألة ٢: (ولا تحصل الطهارة بمائع غيره) أما طهارة الحدث فلقوله ﷾: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء: ٤٣] نقلنا ﷾ عند عدم الماء إلى التراب، فلو كان ثم مائع يجوز الوضوء به لنقلنا إليه، فلما نقلنا عنه إلى التراب دل على أنه لا تصح الطهارة للحدث إلا به.
وأما الطهارة من النجاسات فلا تجوز إلا بالماء لقوله ﷺ لأسماء في دم الحيضة: «حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء» أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
وخص الماء بالذكر فيدل على أنه لا يجوز بمائع غيره، ولأنها طهارة فلا تجوز بغير الماء كطهارة الحدث.
1 / 13
بمائع غيره
(٣) فإذا بلغ الماء قلتين أو كان جاريًا لم ينجسه شيء
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة ٣: (فإذا بلغ الماء قلتين أو كان جاريًا لم ينجسه شيء) . أما إذا بلغ قلتين لم ينجسه شيء فلقوله ﷺ: «إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء» أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن، ولفظه: «لم يحمل الخبث»، وأخرجه الإمام أحمد في المسند، وأما إذا كان جاريًا فلا ينجسه شيء وإن قل، لقوله ﷺ لما سئل عن بئر بضاعة وما يلقى فيها من الحيض ولحوم الكلاب والنتن: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» رواه الترمذي قال أحمد ﵀: حديث بئر بضاعة صحيح، وهو عام في القليل والكثير.
فإن قيل: يعارضه حديث القلتين، قلنا: عنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أن حديث بئر بضاعة أصح فلا يعارضه، ولأن حديث القلتين ضعيف من حيث الاستدلال به فإن القلال تختلف، وتقديرهما بخمس قرب من أين ذلك؟ وتقدير القربة بمائة رطل يحتاج إلى دليل، فإن التقدير إنما يصار إليه بالنص ولا نص، وحديث ابن جريج «رأيت قلال هجر تسع القلة قربتين أو قربتين وشيئا» غير مقبول.
الثاني: أن دلالته على تنجيس اليسير إنما هو بالمفهوم، وحديث بئر بضاعة يدل على طهارته بالمنطوق فكان مقدمًا.
الثالث: أن حديث القلتين محمول على الماء الواقف، فإنا قد أجمعنا على أن ما قبل النجاسة في الماء الجاري لا يتنجس، لأنه لم يصل إليها وما بعدها كذلك لأنها لن تصل إليه بخلاف الواقف.
فإن قيل: حديث بئر بضاعة دخله التخصيص بالقليل الواقف فإنا قد أجمعنا على أنه ينجس بوقوع النجاسة فيه وإن لم يتغير فنقيس عليه القليل الجاري.
قلنا: لا يصح ذلك، وبيانه من وجهين:
أحدهما: أن الجاري له قوة ليست للواقف، فإنه يدفع التغير عن نفسه، لأنه يدفع بعضه بعضًا وليس كذلك الواقف.
1 / 14
(٤) إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه
(٥) وما سوى ذلك ينجس بمخالطة النجاسة
(٦) والقلتان ما قارب مائة وثمانية أرطال بالدمشقي
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
والثاني: أن الجاري لو ورد على النجاسة طهرها فكذا إذا وردت عليه قياسًا لأحد الواردين على الآخر، وليس هذا للواقف، فإن صب الواقف على النجاسة صار جاريًا، والله تعالى أعلم وأحكم.
مسألة ٤: (إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه) . يعني أن الماء إذا تغيرت إحدى صفاته بالنجاسة ينجس على كل حال قلتين أو أكثر أو أقل وهذا أمر مجمع عليه، قال الإمام أحمد ﵁: ليس فيه حديث، ولكن الله سبحانه حرم الميتة فإذا تغير بها فكذلك طعم الميتة وريحها فلا يحل له، وقول أحمد: " ليس فيه حديث " يعني ليس فيه حديث صحيح.
مسألة ٥: (وما سوى ذلك ينجس بمخالطة النجاسة): يعني أن ما دون القلتين يتنجس بمخالطة النجاسة وإن لم يتغير، لأن تحديده بالقلتين يدل على أن ما دونهما يتنجس، ولأن النبي ﷺ قال: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات» متفق عليه، فدل على نجاسته من غير تغير، وفي رواية: «طهور إناء أحدكم» ... " وعنه أنه طاهر لقوله ﷺ: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» قال أحمد: حديث بئر بضاعة صحيح، ولأنه لم يتغير بالنجاسة أشبه الكثير.
مسألة ٦: (والقلتان ما قارب مائة وثمانية أرطال بالدمشقي) سميت قلة لأنها تقل بالأيدي وهما خمسمائة رطل بالعراقي. وعنه أربعمائة رطل؛ لأنه يروى عن ابن جريج أنه قال: «رأيت قلال هجر فرأيت القلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئًا»، فالاحتياط أن يجعل الشيء نصفًا فيكونان خمس قرب كل قربة مائة رطل وهو تقريب لا تحديد في الأصح، لأن القربة إنما جعلت مائة رطل تقريبًا، والشيء إنما جعل نصفًا احتياطًا فإنه يستعمل بما دون النصف وهذا لا تحديد فيه.
وفيه قول آخر أنه تحديد لأن ما وجب بالاحتياط صار فرضًا كغسل جزء من الرأس،
1 / 15
(٧) وإن طبخ في الماء ما ليس بطهور وكذلك ما خالطه فغلب على اسمه أو استعمل في رفع حدث سلب طهوريته
(٨) وإذا شك في طهارة الماء أو غيره ونجاسته بنى على اليقين
(٩) وإن خفي موضع النجاسة من الثوب أو غيره غسل ما يتيقن به غسلها
(١٠) وإن اشتبه ماء طاهر بنجس ولم يجد غيرهما تيمم وتركهما
(١١) وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما
(١٢) وإن اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس وزاد صلاة
(١٣) وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعًا إحداهن
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وفائدة هذا إذا نقص الرطل أو الرطلان إذا قلنا: إنه تقريب لا ينجس الماء، وإن قلنا: إنه تحديد نجس.
مسألة ٧: (وإن طبخ في الماء ما ليس بطهور) سلب طهوريته إجماعا (وكذلك ما خالطه فغلب على اسمه) فصار حبرًا أو صبغًا (أو استعمل في رفع حدث سلب طهوريته) أيضًا، لأنه زال عنه إطلاق اسم الماء أشبه ما لو تغير بزعفران، وعنه لا يسلب طهوريته لأنه استعمال لم يغير الماء أشبه ما لو تبرد به.
مسألة ٨: (وإذا شك في طهارة الماء أو غيره ونجاسته بنى على اليقين) لأنه الأصل.
مسألة ٩: (وإن خفي موضع النجاسة من الثوب أو غيره غسل ما يتيقن به غسلها) يعني يغسل حتى يتيقن أن الغسل قد أتى على النجاسة، كمن تنجست إحدى كميه لا يعلم أيهما غسل الكمين، أو تيقن أن الثوب قد وقعت عليه نجاسة لا يعلم موضعها غسل جميع الثوب لتحصل الطهارة بيقين.
مسألة ١٠: (وإن اشتبه ماء طاهر بنجس ولم يجد غيرهما تيمم وتركهما) .
مسألة ١١: (وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما) وصلى صلاة واحدة لأنه إذا فعل ذلك حصلت له الطهارة بيقين.
مسألة ١٢: (وإن اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس وزاد صلاة) لأنه أمكنه تأدية فرضه بيقين من غير مشقة تلزمه كما لو اشتبه المطلق بالمستعمل.
مسألة ١٣: (وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعًا إحداهن بالتراب) لقوله ﷺ:
1 / 16
بالتراب
(١٤) ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية
(١٥) وإن كانت النجاسة على الأرض فصبة واحدة تذهب بعينها لقوله ﷺ: «صبوا على بول الأعرابي ذنوبًا من ماء»
(١٦) ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح
(١٧) وكذلك المذي
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
«إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا إحداهن بالتراب» متفق عليه، فنقيس عليه نجاسة الخنزير.
مسألة ١٤: (ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية) لأن النبي ﷺ قال: «إذا قام أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا، فإنه لا يدري أين باتت يده» علل بوهم النجاسة، ولا يزيل وهم النجاسة إلا ما يزيل حقيقتها. وقال ﷺ: «إنما يجزئ أحدكم إذا ذهب إلى الغائط ثلاثة أحجار منقية» (رواه الدارقطني) فإذا أجزأت ثلاثة أحجار في الاستجمار فالماء أولى، لأنه أبلغ في الإنقاء، وعنه سبع مرات في غير نجاسة الكلب والخنزير قياسًا عليها، وعنه مرة قياسًا على النجاسة على الأرض.
مسألة ١٥: (وإن كانت النجاسة على الأرض فصبة واحدة تذهب بعينها لقوله ﷺ: «صبوا على بول الأعرابي ذنوبًا من ماء» وفي رواية: «سجلًا من ماء» (رواه أبو داود) .
مسألة ١٦: (ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح) وهو أن يغمره بالماء وإن لم يزل عينه، لما روت «أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله ﷺ فأجلسه في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله» (متفق عليه) .
مسألة ١٧: (وكذلك المذي)، وفي كيفية تطهيره روايتان: إحداهما: يجزئ نضحه
1 / 17
(١٨) ويعفى عن يسيره ويسير الدم وما تولد منه من القيح والصديد ونحوه وحد اليسير هو ما لا يفحش في النفس
(١٩) ومني الآدمي
(٢٠) وبول ما يؤكل لحمه طاهر
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
لما روى «سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء فقلت: يا رسول الله، فكيف بما أصاب ثوبي منه؟ قال: " يكفيك أن تأخذ كفًا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه» قال الترمذي: حديث صحيح، والثانية: يجب غسله لأن النبي ﷺ أمر بغسل الذكر منه، ولأنه نجاسة من كبير أشبه البول، وعنه أنه كالمني لأنه خارج بسبب الشهوة أشبه المني، ويعفى عن يسيره لأنه يشق التحرز منه لكونه يخرج من غير اختيار.
مسألة ١٨: (ويعفى عن يسير الدم) في غير المائعات (وما تولد منه من القيح والصديد) لأنه لا يمكن التحرز منه، فإن الغالب أن الإنسان لا يخلو من حكة أو بثرة. وروي عن جماعة من الصحابة الصلاة مع يسير الدم ولم يعرف لهم مخالف، (وحد اليسير هو ما لا يفحش في النفس)، لقول ابن عباس - قال الخلال: الذي استقر عليه قوله -: إن الفاحش ما يستفحشه كل إنسان في نفسه.
مسألة ١٩: (ومني الآدمي) طاهر، لأن «عائشة ﵂ كانت تفرك المني من ثوب رسول الله ﷺ» متفق عليه، ولأنه بدء خلق الآدمي أشبه الطين، وعنه أنه نجس ويعفى عن يسيره كالدم، لأن «عائشة ﵂ كانت تغسله من ثوب رسول الله ﷺ» (رواه البخاري) حديث صحيح، وعنه لا يعفى عن يسيره لأنه يمكن التحرز منه.
مسألة ٢٠: (وبول ما يؤكل لحمه طاهر) لأن «النبي ﷺ أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال إبل الصدقة وألبانها، ولو كان نجسًا ما أمرهم به» . متفق عليه، وقال ﷺ: «صلوا في مرابض الغنم» (رواه الترمذي) ولا تخلو من أبعارها، ولم يكن لهم مصليات، فدل على طهارته. قال الترمذي: حديث حسن.
1 / 18
باب الآنية (٢١) لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة في طهارة ولا غيرها، لما روى حذيفة أن النبي ﷺ قال: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة»
(٢٢) وحكم المضبب بهما حكمهما إلا أن تكون الضبة يسيرة
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فإن قيل: إنما أذن في شرب أبوال الإبل للتداوي.
قلنا: لا يصح ذلك لأن النبي ﷺ قال: «إن الله لم يجعل فيما حرم عليكم شفاء» رواه أحمد في كتاب الأشربة. وفي لفظ رواه ابن أبي الدنيا في ذم المسكر: «إن الله لم يجعل في حرام شفاء» وعنه أنه نجس، لأنه رجيع من حيوان أشبه بول ما لا يؤكل لحمه، وحكم الروث والمني حكم البول قياسًا عليه.
[باب الآنية]
مسألة ٢١: (لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة في طهارة ولا غيرها، لما روى حذيفة أن النبي ﷺ قال: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» وقال ﷺ: «الذي يشرب في آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم» متفق عليهما، توعد عليه بالنار فدل على تحريمه، ولأن فيه سرفًا وخيلاء وكسر قلوب الفقراء.
مسألة ٢٢: (وحكم المضبب بهما حكمهما)، لأنه إذا استعمله فقد استعملهما (إلا أن تكون الضبة يسيرة من الفضة) كتشعب القدح فلا بأس بها إذا لم يباشرها بالاستعمال، لما روي أن «قدح رسول الله ﷺ انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة» رواه
1 / 19
من الفضة
(٢٣) ويجوز استعمال سائر الآنية الطاهرة واتخاذها
(٢٤) واستعمال أواني
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
البخاري. واشترط أبو الخطاب أن يكون لحاجة، لأن الرخصة وردت في شعب القدح وهو لحاجة. وقال القاضي: يباح من غير حاجة لأنه يسير.
مسألة ٢٣: (ويجوز استعمال سائر الآنية الطاهرة واتخاذها) ولو كانت ثمينة مثل الياقوت والبلور والعقيق، وغير ثمينة كالخزف والخشب والصفر والجلود، لأن «النبي ﷺ توضأ من تور من صفر، وتور من حجارة، ومن قربة وإداوة، واغتسل من جفنة» - روى البخاري «من تور الصفر» - وإنما جاز استعمال الثمين لأنه ليس فيه كسر قلوب الفقراء لأنه لا يعرفه إلا خواص الناس.
مسألة ٢٤: (ويجوز استعمال أواني أهل الكتاب وثيابهم ما لم تعلم نجاستها) وهم قسمان:
من لا يستحل الميتة كاليهود فأوانيهم طاهرة لأن «النبي ﷺ أضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة»، أخرجه الإمام أحمد ﵀ في الزهد، وتوضأ عمر ﵁ من جرة نصرانية.
والثاني: من يستحل الميتات كعباد الأصنام والمجوس وبعض النصارى، فما لم يستعملوه من آنيتهم فهو طاهر، وما استعملوه فهو نجس، لما روى «أبو ثعلبة الخشني قال: قلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم من أهل الكتاب أفنأكل في آنيتهم؟ قال: "لا تأكلوا فيها، إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها ثم كلوا فيها» متفق عليه، وما شك في استعمال فهو طاهر، لأن الأصل طهارته. وذكر أبو الخطاب أن أواني الكفار طاهرة كذلك.
وفي كراهية استعمالها روايتان: إحداهما: يكره لهذا الحديث، والثانية: لا يكره لأن النبي ﷺ أكل فيها.
فأما ثيابهم فما لم يلبسوا أو علا من ثيابهم كالعمامة والطيلسان فهو طاهر، لأن النبي ﷺ وأصحابه كانوا يلبسون ثيابًا من نسج الكفار، وما لاقى عوراتهم فقال الإمام أحمد ﵁: أحب إلي أن يعيد إذا صلى فيها، فيحتمل وجوب الإعادة وهو قول القاضي لأنهم يتعبدون بالنجاسة، ويحتمل أن لا يجب وهو قول أبي الخطاب، لأن الأصل الطهارة فلا تزول عنها بالشك. وعنه أن من لا تحل ذبيحتهم لا يستعمل ما استعملوه من آنيتهم إلا
1 / 20
أهل الكتاب وثيابهم ما لم تعلم نجاستها
(٢٥) وصوف الميتة وشعرها طاهر
(٢٦) وكل
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
بعد غسلها لحديث أبي ثعلبة، لأنه يدل على غسل آنية من لا تحل ذبيحته لكونه أمر بغسل آنية أهل الكتاب وإن كانت ذبائحهم حلالًا.
مسألة ٢٥: (وصوف الميتة وشعرها طاهر) لأنه لا روح فيه ولا يحله الموت فلا ينجس بالموت كالبيض إذا كان في الدجاجة، ودليل أنه لا روح فيه أنه لا يحس ولا يألم ولأنه لو انفصل حال الحياة كان طاهرًا ولو كانت فيه حياة لتنجس بذلك؛ لقوله ﷺ: «ما أبين من حي فهو ميت» رواه الترمذي بمعناه وقال: حديث حسن غريب. والنمو لا يدل على الحياة بدليل الحشيش والبيض.
مسألة ٢٦: (وكل جلد ميتة دبغ أو لم يدبغ فهو نجس) لما روى أحمد في مسنده بإسناده عن عبد الله بن عكيم أن النبي ﷺ كتب إلى جهينة: «كنت رخصت لكم في جلود الميتة، فإذا أتاكم كتابي هذا فلا تنتفعوا منها بإهاب ولا عصب» (رواه الترمذي) قال الإمام أحمد: إسناده جيد يرويه يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، قال الترمذي: سمعت أحمد بن الحسن يقول: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لما ذكر فيه قبل وفاته بشهرين وكان يقول: هذا آخر أمر رسول الله ﷺ، ثم ترك أحمد هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده حيث روى بعضهم فقال: عن عبد الله بن عكيم عن أشياخ من جهينة. ولأنه جزء من الميتة فلم يطهر بالدباغ كاللحم. وعنه يطهر منها جلد ما كان طاهرًا حال الحياة، لأن «النبي ﷺ وجد شاة ميتة فقال: "هلا انتفعتم بجلدها" قالوا: إنها ميتة قال: "إنما حرم أكلها» (رواه مسلم) وفي لفظ: «ألا أخذوا
1 / 21
جلد ميتة دبغ أو لم يدبغ فهو نجس
(٢٧) وكذلك عظامها
(٢٨) وكل ميتة نجسة إلا الآدمي
(٢٩) وحيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه «لقول رسول الله ﷺ في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته»
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
إهابها فدبغوه فانتفعوا به» رواه مسلم، وفي حديث ابن عباس أن النبي ﷺ قال: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» (رواه مسلم) .
مسألة ٢٧: (وكذلك عظامها)، لأن ذلك من أجزائها فيدخل في عموم قوله سبحانه: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] .
مسألة ٢٨: (وكل ميتة نجسة) لقوله سبحانه: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] (إلا الآدمي) لأن النبي ﷺ قال لأبي هريرة: «سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس» متفق عليه، ولم يفرق بين الحياة والموت، ولأنه لو نجس بالموت لم يجب غسله، لأنه يكون تكثيرًا للنجاسة. وعنه ما يدل على نجاسته بالموت، لأنه حيوان له نفس سائلة أشبه سائر الحيوانات.
مسألة ٢٩: (وحيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه) طاهر إذا مات حلال الأكل «لقول النبي ﷺ في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته» قال الترمذي: حديث حسن
1 / 22
(٣٠) وما لا نفس له سائلة إذا لم يكن متولدًا من النجاسات
باب قضاء الحاجة (٣١) يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول: بسم الله أعوذ بالله من الخبث
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
صحيح، وقال الله سبحانه: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ﴾ [المائدة: ٩٦] وحل الأكل يدل على الطهارة، لأن النجس لا يحل أكله.
مسألة ٣٠: (وما لا نفس له سائلة) إذا مات فهو طاهر (إذا لم يكن متولدًا من النجاسات) لأن النبي ﷺ قال: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله - أي يغمسه - ثلاث مرات ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء وأنه يتقي بالذي فيه الداء» (رواه البخاري) قال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله ﷺ قال ذلك، ولولا أنه طاهر بعد موته لما أمر بمقله ثلاثًا؛ لأن الظاهر أنه يموت بذلك فيتنجس الطعام فيكون أمرًا بإفساده، ولأنه لا نفس له سائلة أشبه دود الخل فإنه لا ينجس المائع الذي تولد منه إجماعًا، وأما ما تولد من النجاسات فينجس لأن أصله نجس.
[باب قضاء الحاجة]
مسألة ٣١: (يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول: بسم الله) لما روي عن علي ﵁: قال: قال رسول الله ﷺ: «ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول: بسم الله» رواه ابن ماجه. ويقول أيضًا ما روى أنس أن النبي ﷺ كان إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» متفق عليهما، ويقول ما روى
1 / 23
والخبائث ومن الرجس الشيطان الرجيم،
(٣٢) وإذا خرج قال: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني
(٣٣) ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج
(٣٤) ولا يدخله بشيء فيه ذكر الله تعالى إلا من حاجة
(٣٥) ويعتمد في جلوسه على
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أبو أمامة أن رسول الله ﷺ يقول: «لا يعجز أحدكم أن يقول إذا دخل مرفقه: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم» رواه ابن ماجه. قال أبو عبيد: الخبث بسكون الباء: الشر، والخبائث: الشياطين. وقيل: الخبث بضم الباء، والخبائث: ذكور الشياطين وإناثهم.
مسألة ٣٢: (وإذا خرج قال: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) لما روي عن عائشة ﵂ قالت: «كان رسول الله ﷺ إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك» رواه أبو داود والترمذي، ولما روى أنس أن النبي ﷺ كان يقول ذلك إذا خرج. أخرجه ابن ماجه.
مسألة ٣٣: (ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج)، لأن اليسرى للأذى واليمنى لما سواه.
مسألة ٣٤: (ولا يدخله بشيء فيه اسم الله تعالى إلا من حاجة) تنزيهًا له، وقد روى أنس قال: «كان رسول الله ﷺ إذا دخل الخلاء وضع خاتمه»، رواه أبو داود، وقال: هذا حديث منكر، وقيل: إنما وضع خاتمه، لأن فيه: " محمد رسول الله" فإن أدار فصه إلى باطن كفه فلا بأس، فإن احتاج إلى ذلك دخل به وستره، لأنها حالة ضرورة.
مسألة ٣٥: (ويعتمد في جلوسه على رجله اليسرى)، لأنه أسهل لخروج الخارج
1 / 24
رجله اليسرى
(٣٦) وإن كان في الفضاء أبعد واستتر
(٣٧) ويرتاد لبوله موضعًا رخوًا
(٣٨) ولا يبول في ثقب ولا شق
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وروى سراقة بن مالك قال: «علمنا رسول الله ﷺ إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ على اليسرى»، رواه الطبراني في معجمه.
مسألة ٣٦: (وإن كان في الفضاء أبعد واستتر) لما روى المغيرة قال: «كان رسول الله ﷺ إذا ذهب أبعد»، رواه أبو داود، وعن جابر قال: «كان رسول الله ﷺ إذا أراد الخلاء - يعني البراز - انطلق حتى لا يراه أحد»، رواه أبو داود، وفي مسلم عن المغيرة قال: «كنت مع النبي ﷺ فأتى حاجته فأبعد في المذهب حتى توارى عني»، ويستتر لأن النبي ﷺ قال: «من أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبًا من رمل فليستدبره» وفي حديث: «خرج ومعه درقة فاستتر بها ثم بال»، رواهما أبو داود.
مسألة ٣٧: (ويرتاد لبوله موضعًا رخوًا) لكيلا يترشش عليه منه، قال أبو موسى: «كنت مع النبي ﷺ فأراد أن يبول فأتى دمثًا في أصل جدار فبال ثم (قال): "إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله» رواه أبو داود.
مسألة ٣٨: (ولا يبول في ثقب ولا شق) لما روى أبو داود عن عبد الله بن عباس ﵄ «أن النبي ﷺ نهى أن يبال في الجحر»، قيل لقتادة: وما يكره من البول في الجحر؟ قال: يقال: إنها مساكن الجن، ولا يؤمن أن يخرج منه حيوان فيلسعه، أو يكون مسكنًا للجن فيؤذيهم بذلك فيؤذونه.
1 / 25
(٣٩) ولا طريق ولا ظل نافع ولا تحت شجرة مثمرة
(٤٠) ولا يستقبل شمسًا ولا قمرًا ولا يستقبل القبلة (٤١) ولا يستدبرها لقول رسول الله ﷺ لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة ٣٩: (ولا يبول في طريق ولا ظل نافع ولا تحت شجرة مثمرة)، لأنه يؤذي الناس بذلك، وقال رسول الله ﷺ: «اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم» أخرجه مسلم.
مسألة ٤٠: (ولا يستقبل شمسًا ولا قمرًا) تكريمًا لهما، (ولا يستقبل القبلة) في الفضاء، لما روى أبو أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره، شرقوا أو غربوا» قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا فيها مراحيض قد بنيت نحو القبلة، فننحرف عنها ونستغفر الله ﷿، متفق عليه، ولمسلم عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «إذا جلس أحدكم إلى حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها» ".
١ -
مسألة ٤١: وفي استدبارها في الفضاء روايتان: إحداهما لا يجوز للخبر، والأخرى: يجوز، لما روى «ابن عمر قال: رقيت يومًا على بيت حفصة فرأيت النبي ﷺ على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة»، متفق عليه.
١ -
مسألة ٤٢: وفي استقبالها في البنيان روايتان: إحداهما: لا يجوز لعموم النهي، والأخرى: يجوز لما روى عراك عن عائشة «أن رسول الله ﷺ ذكر له أن قومًا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم قال: أقد فعلوها؟ استقبلوا بمقعدي القبلة»، قال الإمام أحمد: أحسن ما روي في الرخصة حديث عائشة وإن كان مرسلًا فإن مخرجه حسن، وسماه مرسلًا لأن عراكًا لم يسمع من عائشة. وعن مروان الأصغر قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس فبال إليها. فقلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن
1 / 26
ويجوز ذلك في البنيان (٤٣) وإذا انقطع البول مسح من أصل ذكره إلى رأسه ثم ينتره ثلاثًا
(٤٤) ولا يمس ذكره بيمينه، ولا يستجمر بها
(٤٥) ثم يستجمر وترًا
(٤٦) ثم يستنجي بالماء
(٤٧) فإن اقتصر على الاستجمار أجزأه
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
هذا؟ قال: إنما نهي عنه في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس، رواه أبو داود.
مسألة ٤٣: (وإذا انقطع البول مسح من أصل ذكره إلى رأسه ثم ينتره ثلاثًا) ليخرج ما قرب من رأس الذكر ولا يخرج بعد الاستنجاء.
مسألة ٤٤: (ولا يمس ذكره بيمينه، ولا يستجمر بها) لما روى أبو قتادة أن النبي ﷺ قال: «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه ولا يتمسح من الخلاء بيمينه» متفق عليه، وقالت عائشة: «كانت يمين رسول الله ﷺ لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى للخلاء وما سواه من أذى»، أخرجه أبو داود.
مسألة ٤٥: (ثم يستجمر وترًا)، لقوله ﷺ: «من استجمر فليوتر» متفق عليه، ولأبي داود «من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج» .
مسألة ٤٦: (ثم يستنجي بالماء)، لأن «عائشة قالت: مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء من أثر الغائط والبول، فإني أستحيهم، وإن رسول الله ﷺ كان يفعله»، قال الترمذي: حديث صحيح.
مسألة ٤٧: (فإن اقتصر على الاستجمار أجزأه) إذا أنقى وأكمل العدد، لقوله
1 / 27
(٤٨) وإنما يجزئ الاستجمار إذا لم يتعد الخارج موضع الحاجة
(٤٩) ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات منقية
(٥٠) ويجوز الاستجمار بكل طاهر
(٥١) ويكون منقيًا
(٥٢) إلا الروث والعظام
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ﷺ: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه» رواه أبو داود.
مسألة ٤٨: (وإنما يجزئ الاستجمار إذا لم يتعد الخارج موضع الحاجة) مثل أن يتعدى إلى الصفحتين ومعظم الحشفة فلا يجزئ إلا الماء، لأن ذلك نادر فلم يجزئ فيه المسح كيده.
مسألة ٤٩: (ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات منقية) إما بحجر ذي شعب ثلاث أو بثلاثة أحجار، لأن «النبي ﷺ أمر بثلاثة أحجار وقال: "فإنها تجزئ عنه» أخرجه أبو داود، وقال: «لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» رواه مسلم، فإن لم ينق بثلاث مسحات زاد حتى ينقي، والإنقاء أن يخرج الأخير ليس عليه بلة.
مسألة ٥٠: (ويجوز الاستجمار بكل طاهر)، لأن «النبي ﷺ ألقى الروثة وقال: "إنها ركس» رواه البخاري.
مسألة ٥١: (ويكون منقيًا) لأنه المقصود من الاستجمار، فلا يجزئ الزجاج والفحم الرخو لأنه لا ينقي.
مسألة ٥٢: (إلا الروث والعظام) لما روى ابن مسعود أن النبي ﷺ قال: «لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن» رواه الترمذي.
1 / 28
(٥٣) وما له حرمة
باب الوضوء (٥٤) لا يصح الوضوء ولا غيره من العبادات إلا أن ينويه، لقول رسول الله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»
(٥٥) ثم يقول: بسم الله
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة ٥٣: (وما له حرمة) يعني لا يستنجى بما له حرمة كالطعام، لأن «النبي ﷺ نهى عن الاستجمار بالروث والرمة» وعلل ذلك بكونه زاد إخواننا من الجن أن لا تفسده عليهم، فزادنا أولى أن لا يجوز الاستجمار به، فإن حرمة بني آدم أعظم فحرمة زادهم أكثر، وكذلك الورق المكتوب وما يتصل بحيوان كيده وذنبه وصوفه المتصل به، لأن له حرمة أشبه الطعام
[باب الوضوء]
مسألة ٥٤: (لا يصح الوضوء ولا غيره من العبادات إلا أن ينويه، لقول رسول الله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب ﵁.
مسألة ٥٥: (ثم يقول: بسم الله) وهي سنة وليست واجبة، لما روى سعيد في سننه عن مكحول أنه قال: إذا تطهر الرجل وذكر اسم الله تعالى طهر جسده كله، وإذا لم يذكر اسم الله حين يتوضأ لم يطهر فيه إلا مكان الوضوء، ونحوه عن الحسن بن عمار، ولأن الوضوء عبادة فلا تجب فيه التسمية كسائر العبادات، أو طهارة فلا تجب فيها التسمية كالطهارة من النجاسة، وعنه أنها واجبة مع الذكر لما روي أن النبي ﷺ قال: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» رواه أبو داود والترمذي، إلا أن الإمام أحمد ﵁ قال: ليس يثبت في هذا حديث ولا أعلم فيه حديثًا له إسناد جيد.
1 / 29
(٥٦) ويغسل كفيه ثلاثًا
(٥٧) ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثًا يجمع بينها بغرفة واحدة أو ثلاث
(٥٨) ثم يغسل وجهه ثلاثًا من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة ٥٦: (ويغسل كفيه ثلاثًا) وذلك سنة، لأن عثمان وصف وضوء النبي ﷺ قال: «فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات»، متفق عليه، ولأن اليدين آلة نقل الماء إلى الأعضاء ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء.
مسألة ٥٧: (ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثًا يجمع بينها بغرفة واحدة أو ثلاث) لما روى عبد الله بن زيد أن «النبي ﷺ تمضمض واستنشق ثلاثًا بثلاث غرفات» متفق عليه، وروى البخاري أن «النبي ﷺ تمضمض واستنثر ثلاثًا ثلاثا من غرفة واحدة»، وإن أفرد لكل عضو ثلاث غرفات جاز، لأن الكيفية في الغسل غير واجبة.
والمضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارتين الصغرى والكبرى، لأن غسل الوجه فيهما واجب بغير خلاف، وهما من الوجه ظاهرًا [بدليل أحكام خمسة] يفطر الصائم بوصول القيء إليهما إذا استدعاه، ولا يفطر بوضع الطعام فيهما، ولا يحد بوضع الخمر فيهما، ولا تنشر حرمة الرضاع بوصول اللبن إليهما، ويجب غسلهما من النجاسة، وهذه أحكام الظاهر، ولو كانا باطنين لانعكست هذه الأحكام.
وعنه أن الاستنشاق وحده واجب لأن فيه أحاديث صحاحًا تخصه، منها قوله ﷺ: «من توضأ فليستنثر» وفي رواية لأبي داود: «فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر» متفق عليهما، ولمسلم: «من توضأ فليستنشق» وفي رواية لأبي داود عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: «استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثًا» وهذا أمر يقتضي الوجوب.
وعنه أنهما واجبان في الكبرى دون الصغرى، لأن الكبرى يجب فيها غسل كل ما أمكن غسله من الجسد كبواطن الشعور الكثيفة ولم يمسح فيها [في الكبرى] على الحوائل فوجبا فيها بخلاف الصغرى.
مسألة ٥٨: (ثم يغسل وجهه ثلاثًا من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين
1 / 30
والذقن طولًا، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا
(٥٩) ويخلل لحيته إن كانت كثيفة وإن كانت تصف البشرة لزمه غسلها
(٦٠) ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثًا، ويدخلهما في الغسل
(٦١) ثم يمسح رأسه مع الأذنين، يبدأ بيديه من مقدمه ثم يمرهما إلى قفاه ثم يردهما إلى
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
والذقن طولًا، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا) لما روي عن علي «أن النبي ﷺ توضأ ثلاثًا ثلاثًا»، قال الترمذي: حديث علي أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وفي رواية ابن ماجه «توضأ ثلاثًا ثلاثًا وقال: ["هذا وضوء الأنبياء من قبلي» وفي حديث عثمان «أنه توضأ ثلاثًا ثلاثًا وقال]: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام وركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه مسلم، وقوله: من منابت شعر الرأس أي في حق غالب الناس ولا يعتبر كل أحد في نفسه، بل لو كان أصلع غسل إلى حد منابت الشعر في الغالب، والأقرع الذي ينزل شعره في وجهه يغسل منه الذي ينزل عن حد الغالب.
مسألة ٥٩: (ويخلل لحيته) كالشوارب (إن كانت كثيفة)، لأن «النبي ﷺ كان يخلل لحيته» (وإن كانت تصف البشرة لزمه غسلها)، لأنها إذا كانت تصف البشرة حصلت المواجهة بالبشرة فوجب غسلها وغسل الشعر الذي فيها تبعًا لها، وإن كانت لا تصف البشرة حصلت المواجهة بها فأجزأ غسلها من غسل البشرة.
مسألة ٦٠: (ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثًا، ويدخل المرفقين في الغسل)، لقوله سبحانه: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: ٦] ويجب غسل المرفقين، لأن «جابرًا قال: كان النبي ﷺ إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه»، وهذا يصلح بيانًا للآية.
مسألة ٦١: (ثم يمسح رأسه مع الأذنين)، لقوله: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: ٦] وروى
1 / 31