Copernicus Darwin Freud
كوبرنيكوس وداروين وفرويد: ثورات في تاريخ وفلسفة العلم
Genres
حركة الدوران السنوية للأرض حول الشمس تمنحنا «سببا أكثر احتمالا لمبادرة الاعتدالات» (كبلر 1618-1621، الجزء الثاني، الكتاب الرابع؛ كوبرنيكوس 1543، الكتاب الأول).
كما أدرك كوبرنيكوس وكبلر بوضوح، أن بعض النماذج أفضل في التعامل مع الأدلة من النماذج الأخرى؛ فعملية استنتاج النموذج، الأكثر توافقا مع القيود المتاحة، ليست استنتاجا للنموذج الوحيد الصحيح؛ فالقيود ذاتها تخضع لفحص دقيق. لا يزال كوبرنيكوس متمسكا بالحركة الدائرية المنتظمة كقيد في غاية الأهمية، وطالب بأن تحافظ الفرضيات الكوبرنيكية على الظواهر (روزن 1959، 29). ويؤكد تاريخ مركزية الشمس من كوبرنيكوس حتى نيوتن أن النموذج الأفضل يكون أفضل بالنسبة إلى الأدلة المتاحة والاعتبارات النظرية على حد سواء، وقد أضفى كبلر من خلال القوانين التي وضعها للكواكب تغييرات مهمة على النموذج الكوبرنيكي. وسجل تيكو براهي وجاليليو جاليلي مشاهدات أكثر اتساقا مع مركزية الشمس من مركزية الأرض. وفي نهاية القرن السابع عشر، جمع نيوتن فكرة القصور الذاتي والجاذبية للوصول إلى تفسير ميكانيكي معقول لسبب بقاء الكواكب في مداراتها. وفي عام 1687 تغيرت قيود النموذج الفلكي الملائم إلى حد بعيد، ولكن ثمة معضلة تواجهنا الآن. تذكر أن النموذج الأرضي المركز يفسر فصول السنة وكذلك يفسرها النموذج الكوبرنيكي. لماذا يجب علينا تفضيل هذا النموذج الأخير، مع الوضع في الاعتبار أنه يفترض حركة ثالثة إضافية زائدة للأرض؟ (4-2) نسبية الحركة
أدخل جاليليو في الفيزياء مبدأ نسبية الحركة. (تبنى أينشتاين لاحقا هذا المبدأ وعممه.) فالحشرات تطير عبر مقصورة السفينة بالطريقة نفسها، بغض النظر عن الحركة القصورية للسفينة. وفقا لمبدأ النسبية، حركة الجسم يمكن وصفها إما من إطار مرجعي ثابت أو متحرك. وما دامت الحركة قصورية (حيث يكون الجسم ثابتا أو يتحرك بسرعة ثابتة)، فإن كلا الرأيين متماثلان، ويجب أن يؤديا إلى النتائج العددية نفسها. إن مسألة اعتبار أي الإطارين ثابتا وأيهما متحركا مسألة اختيار؛ فهذا لا يصنع فارقا في فيزياء الموقف.
من وجهة نظر النسبية يجب ألا يوجد فارق إذا ما تبنينا فكرة مركزية الأرض أو فكرة مركزية الشمس (بورن 1962، 344؛ دي سولا برايس 1962، 198؛ روزن 1984، 183-184). فيمكننا أن نتبع بطليموس: فنعتبر الأرض إطارا ثابتا والشمس إطارا متحركا. أو يمكننا اتباع كوبرنيكوس: فنعتبر الأرض إطارا متحركا والشمس إطارا ثابتا. وفقا لمبدأ النسبية خيارنا لا يحدث فارقا بالنسبة لفيزياء الموقف. وهذا ما يبدو عليه الأمر. تدور الأرض حول محورها مرة واحدة كل 24 ساعة لتمنحنا الليل والنهار. ولو دارت الشمس حول الأرض الثابتة مرة واحدة كل 24 ساعة، فسوف تمنحنا الليل والنهار. وتنتج فصول السنة إما بسبب دوران الشمس حول الأرض في مدار مائل أو دوران الأرض حول الشمس في مدار مائل. مع ذلك، ثمة أمور أخرى بخلاف علم الحركة المجردة (الكينماتيكا) في وصف النظام الشمسي؛ فمن وجهة نظر كينماتيكية بحتة، النموذجان متكافئان. فوجهة نظر الكينماتيكا معنية فحسب بالحركة النقية، بغض النظر عن أسبابها (دكسترهوز 1956، الكتاب الأول؛ الكتاب الرابع). وهذا هو المنظور البطلمي والكوبرنيكي، ولكن يوجد أيضا سؤال الديناميكا: ما الذي يسبب حركة الكواكب؟ تخيل أنك تجلس في قطار توقف في المحطة. ولاحظت عبر النافذة قطارا يتحرك ببطء على القضبان. يخبرك حدسك أنك ثابت وأن القطار الآخر يتحرك، ولكن الفيزياء تخبرنا أن قطارك يمكن اعتباره متحركا والقطار الآخر ثابتا. وسوف تخبرك الكينماتيكا الأمر نفسه، ولكن تخيل الآن أن القاطرة فصلت عن قطارك. هنا لم يعد الوضع الديناميكي متكافئا؛ إذ يمتلك القطار المتحرك قاطرة تسبب حركته على نحو واضح. لقد فقد قطارك سبب حركته. انشغل كبلر بمسألة الأسباب المادية، واشتبه في أن أشعة نشطة من الشمس تقود دوران الأرض في مدارها الإهليجي الشكل؛ فعندما يوجه الكوكب «وجهه الودود» للشمس، تجذبه خطوطها المغناطيسية إليها. وعندما يوجه الكوكب «وجهه غير الودود» للشمس، تدفعه خطوطها المغناطيسية بعيدا. وتقيد لعبة التجاذب والتنافر الكوكب في حركته المدارية حول الشمس (كبلر 1618-1621، الجزء الثاني). وكما أوضح نيوتن، كان هذا التفسير الديناميكي مخطئا، ومع ذلك، قدم كبلر حججا ديناميكية لصالح الحركة المدارية للأرض. وبمجرد أن أوضح نيوتن سبب بقاء الكواكب في مداراتها الإهليجية حول الشمس، قدم النموذج الشمسي المركز تمثيلا للواقع المادي أفضل من النموذج الأرضي المركز. حسن نيوتن من البنية الجبرية للنموذج، وقدم شرحا ديناميكيا لمدارات الكواكب في النموذج الشمسي المركز. وحتى إذا ركزنا فقط على الترتيب المكاني للنظام الشمسي، فإن النموذج الشمسي المركز يرسم البنية الطوبولوجية للنظام الشمسي أفضل من النموذج الأرضي المركز. ونعتقد أن بنية النماذج سوف تتوافق على نحو مختلف مع بنية النظام المادي. (5) الانتقال إلى نيوتن
كان التليسكوب شيئا غريبا معروضا في المعرض السنوي قبل أن يتحول على يد جاليلي إلى أداة لصياغة النظريات. (بلومنبرج، «نشأة العالم الكوبرنيكي» (1987)، 648)
كان لدى نيوتن أسباب كثيرة للاعتقاد بأنه يقف على أكتاف من سبقوه. غير أنه تقدم خطوة للأمام وأنتج نظرياته الخاصة. فليست فيزياء نيوتن مجرد مجموعة من قوانين الميكانيكا التي تحكم عالم الأجسام الكبيرة سواء على الأرض أو في السماء، بل هي تلخص نظرة جديدة شاملة للكون؛ صورة جديدة كاملة لطريقة تصور البشر للعالم المادي من حولهم.
إسحاق نيوتن (1642-1727).
يمكننا وصف الثورة العلمية بصفتين مرتبطتين ارتباطا وثيقا: (أ) تدمير الكون القديم واختفاء كل الأفكار المعتمدة على فرضياته. (ب) تحويل الطبيعة والعلوم إلى صيغ رياضية (كواريه 1957، 2، 29، 43، 61-62؛ 1965، 6-8). لنلق نظرة على هاتين الصفتين بمزيد من التفاصيل. (أ) «تدمير الكون القديم» لقد قابلنا بعض سمات النظام العالمي التقليدي للكون:
بنيته الهرمية ذات الفلكين بين كمال الفلك فوق القمري ونقائص وفساد الفلك تحت القمري.
تمييزه ما بين الفيزياء الأرضية والسماوية.
Unknown page