Copernicus Darwin Freud
كوبرنيكوس وداروين وفرويد: ثورات في تاريخ وفلسفة العلم
Genres
توفي نيكولاس كوبرنيكوس في 24 مايو 1543. وبعد موته بأسابيع قليلة، نشر كتابه العظيم «عن دورات الأجرام السماوية». كان العنوان الأصلي للكتاب «عن دورات الأفلاك السماوية»، وغير هذا العنوان المقصود عن طريق أندرياس أوزياندر إلى «عن دورات الأجرام السماوية» (بلومنبرج 1957، 79؛ 1981، المجلد الثاني، 344). كان أوزياندر رجل دين ومبشرا يعيش في نورمبيرج، وأشرف على نشر كتاب «عن دورات الأجرام السماوية»، كما أضاف أيضا مقدمة مهمة فلسفيا لعمل كوبرنيكوس دون توقيع. وأشار كبلر لاحقا إلى أن أوزياندر هو مؤلف المقدمة مجهولة المؤلف. كانت المقدمة مهمة فلسفيا لأن أوزياندر حاول تفسير الكتاب على أنه أطروحة لا تتحدى الرؤية الكونية الشائعة؛ وهو ما يخالف الانطباعات الأولى. ظل كوبرنيكوس يعمل على رائعته هذه لسنوات، ولكنه تردد في نشرها ؛ فعلى غرار داروين من بعده، خشي كوبرنيكوس أن أفكاره سوف تلقى رد فعل عدائيا. ومع ذلك، قبل نشر هذا الكتاب، تم تداول نسخ مكتوبة بخط اليد من «صورة لنظريته حول الحركات السماوية» عرفت بعنوان «الشرح المختصر». كانت قد كتبت في الفترة بين 1502 و1514 (انظر روزن 1959، مقدمة). قدم كوبرنيكوس في هذين العملين نموذجا للنظام الشمسي قائما على مفهوم مركزية الشمس. (3-1) نيكولاس كوبرنيكوس
لم يكن إنجاز كوبرنيكوس شيئا تفرضه المشاهدات الجديدة، بل كان انتصارا للعقل في تصور ما كان في الأساس ترتيبا أجمل للكواكب. (جنجريتش، «الكتاب الذي لم يقرأه أحد» (2004)، 116)
يتبين من النظرة الفاحصة أن كتاب «عن دورات الأجرام السماوية» ينقسم إلى قسمين. يقدم كوبرنيكوس في الفصل الأول فكرة عامة عن نظام شمسي المركز. يذهب كوبرنيكوس إلى أن اعتراضات الإغريق على فكرة أن الأرض تتحرك لا تستطيع الصمود أمام النقد. ويشير إلى عدد ممن سبقوه من الإغريق إلى فكرة مركزية الشمس، وقد ذهب إلى أن مركزية الشمس تقدم تفسيرا للنظام الشمسي أكثر بساطة أو أكثر اتساقا. وبالنسبة لكوبرنيكوس - وكذلك الإغريق - يتألف الكون من النظام الشمسي والنجوم الثابتة. ويحتوي الجزء الثاني من الكتاب على الحسابات الرياضية لحركة الكواكب. وهو جزء تقني أكثر بكثير، ولكن كوبرنيكوس يستخدم الأدوات الهندسية نفسها التي استخدمها الإغريق (الدوائر اللامتراكزة وأفلاك التدوير).
نيكولاس كوبرنيكوس (1473-1543).
أصبح من المعتاد منذ عصر كانط أن توصف نتيجة أعمال كوبرنيكوس باسم «التحول الكوبرنيكي» (دكسترهوز، 1956، الجزء الرابع؛ بلومنبرج 1981، الجزء الخامس). وهذا المصطلح مفيد للغاية؛ فهو يميز الإنجاز الكوبرنيكي دون إعلاء عمل كوبرنيكوس إلى مصاف الثورة العلمية.
التحول الكوبرنيكي هو مفهوم الكون شمسي المركز، الذي تحمل فيه الكواكب على أفلاكها حول شمس مركزية (رئيسية)، وليس حول أرض مركزية. لم تكن هذه الفكرة في حد ذاتها جديدة، لأنها كانت موجودة منذ العصور القديمة؛ فقد شيد عالم الفلك الإغريقي أرسطرخس الساموسي نظاما شمسي المركز للكون، فيه تدور الأرض يوميا حول محورها وسنويا حول الشمس. وتصور مفكرون آخرون - في العصور القديمة (هرقليطس) وفي القرن الرابع عشر (بوريدان ونقولا الأورسمي ونقولا الكوزاني) على حد سواء - حركة الأرض اليومية؛ فما الجديد في أعمال كوبرنيكوس؟ رغم أن عمل أرسطرخس لم يصل إلينا، فقد صار كوبرنيكوس أول عالم فلك يشيد نظاما رياضيا لحركة الكواكب من منظور مركزية الشمس. حاول كوبرنيكوس استنتاج كل الظواهر السماوية من عدد قليل من الافتراضات الأساسية («الشرح المختصر» 1959، 58-59). يمكن تفسير جميع المشاهدات عن طريق افتراض حركة الأرض. افترض كوبرنيكوس أن الشمس ثابتة ولكن كبلر صحح لاحقا هذا الرأي مشيرا إلى أن الشمس تدور حول محورها
3 (كبلر 1618-1621، الجزء الثاني). كان كوبرنيكوس أول من وضع تقريرا مفصلا عن النتائج الفلكية الناجمة عن حركة الأرض (كون 1957، 142، 144). فذهب إلى أنها مسئولة عن الظواهر وأنها تنشئ نظاما «مترابطا» لترتيب وأحجام جميع الأفلاك والنجوم.
كان كوبرنيكوس يدرك جيدا أن «الترابط» بين الظواهر الطبيعية سيؤدي إلى نموذج مترابط للكون. وفي إهدائه الكتاب إلى البابا بولس الثالث، أوضح كيف نقله تفكيره من ترابط الظواهر الطبيعية إلى نموذج مركزية الشمس الأكثر ملاءمة لها:
وهكذا، بعد توضيح الحركات التي أعزوها إلى الأرض في موضع لاحق من العمل، اكتشفت أخيرا - بمساعدة من المشاهدات الطويلة والعديدة - أنه إذا ما كانت حركات النجوم السيارة الأخرى مرتبطة بالحركة الدائرية للأرض، وإذا حسبت الحركات وفقا لحركة دوران كل كوكب، فلن يتضح أن جميع الظواهر تنبع من هذا فحسب، ولكن سيتضح أيضا أن هذا الترابط يربط معا على نحو وثيق ترتيب وأحجام جميع الكواكب وأفلاكها أو دوائرها المدارية والسماوات نفسها، بحيث لا يمكن لشيء أن ينتقل في أي جزء منها دون الإخلال بما تبقى من أجزاء وبالكون ككل. (كوبرنيكوس 1543، 6)
يزعم كوبرنيكوس وتلميذه جورج يواخيم ريتيكوس (1514-1576) أن فرضية مركزية الشمس تمتلك العديد من المزايا أكثر من فرضية بطليموس. وتنبع هذه المزايا من معاملة الكواكب وحركاتها ك «نظام»:
Unknown page